مسألة: الجزء الرابع والعشرون التحليل الموضوعي
[ ص: 643 ] [ ص: 644 ] [ ص: 645 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ( 1 ) فصل لربك وانحر ( 2 ) إن شانئك هو الأبتر ( 3 ) ) .
يقول تعالى ذكره : ( إنا أعطيناك ) يا محمد ( الكوثر ) واختلف أهل
التأويل في معنى الكوثر ، فقال بعضهم : هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن
محارب بن دثار ، عن ابن عمر : أنه قال : " الكوثر : نهر في الجنة ،
حافتاه من ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ،
وأحلى من العسل " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن محارب بن دثار الباهلي
، عن ابن عمر ، في قوله : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : " نهر في الجنة
حافتاه الذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، وماؤه أشد بياضا من الثلج ،
وأشد حلاوة من العسل ، وتربته أطيب من ريح المسك " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عمر بن عبيد ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ،
عن ابن عباس ، قال : " الكوثر : نهر في الجنة حافتاه من ذهب وفضة ، يجري
على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج ، وأحلى من العسل " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن
عطية ، عن شقيق أو مسروق ، قال : قلت لعائشة : يا أم المؤمنين ، وما
بطنان الجنة ؟ قالت : " وسط الجنة : حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه
المسك ، وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت " .
حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ، قال : ثنا أبو النضر وشبابة ، قالا :
ثنا [ ص: 646 ] أبو جعفر الرازي ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن رجل
، عن عائشة قالت : الكوثر : نهر في الجنة ليس أحد يدخل أصبعيه في أذنيه
إلا سمع خرير ذلك النهر .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبي جعفر ; وحدثنا ابن أبي سريج
، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن ابن أبي
نجيح ، عن أنس ، قال : الكوثر : نهر في الجنة .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة قالت : الكوثر نهر في الجنة ، در مجوف .
حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة :
"الكوثر : نهر في الجنة ، عليه من الآنية عدد نجوم السماء " .
قال ثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، عن ابن أبي نجيح ، عن عائشة
قالت : من أحب أن يسمع خرير الكوثر ، فليجعل أصبعيه في أذنيه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي
عبيدة ، عن عائشة ، قالت : نهر في الجنة ، شاطئاه الدر المجوف .
قال : ثنا مهران ، عن أبي معاذ عيسى بن يزيد ، عن أبي إسحاق ، عن أبي
عبيدة ، عن عائشة قالت : " الكوثر : نهر في بطنان الجنة وسط الجنة ، فيه
نهر شاطئاه در مجوف ، فيه من الآنية لأهل الجنة ، مثل عدد نجوم السماء " .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : نهر أعطاه الله
محمدا صلى الله عليه وسلم في الجنة .
حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : ثنا مسعدة ، عن عبد الوهاب ، عن مجاهد ،
قال : "الكوثر : نهر في الجنة ، ترابه مسك أذفر ، وماؤه الخمر " .
حدثنا ابن أبي سريج ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : نهر
في الجنة .
حدثنا الربيع ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن شريك بن
أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدثنا ، قال : لما أسري برسول الله
صلى الله عليه وسلم ، مضى به جبريل في السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر ،
عليه قصر من لؤلؤ [ ص: 647 ] وزبرجد ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك ،
فقال : " يا جبريل ما هذا النهر ؟ " قال : هو الكوثر الذي خبأ لك ربك .
وقال آخرون : عني بالكوثر : الخير الكثير .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثني هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب
، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الكثير
الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : فقلت لسعيد بن جبير : فإن ناسا
يزعمون أنه نهر في الجنة ، قال : فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من
الخير الذي أعطاه الله إياه .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن عطاء بن السائب ،
قال : قال محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قال : قلت :
قال : قال ابن عباس : هو الخير الكثير ، فقال : صدق والله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء بن
السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الكوثر : الخير الكثير .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر
، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن الكوثر ، فقال : هو الخير الكثير الذي
آتاه الله ، فقلت لسعيد : إنا كنا نسمع أنه نهر في الجنة ، فقال : هو
الخير الذي أعطاه الله إياه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الصمد ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر
، عن سعيد بن جبير : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : الخير الكثير .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد ، قال : ثنا شعبة ، عن عمارة بن أبي
حفصة ، عن عكرمة ، قال : هو النبوة ، والخير الذي أعطاه الله إياه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا حرمي بن عمارة ، قال : ثنا شعبة ، قال :
أخبرني عمارة ، عن عكرمة في قول الله : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال :
الخير الكثير ، والقرآن والحكمة .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة أنه قال : الكوثر : الخير الكثير .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : الخير
الكثير . [ ص: 648 ]
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن هلال ، قال : سألت سعيد بن جبير (
إنا أعطيناك الكوثر ) قال : أكثر الله له من الخير ، قلت : نهر في الجنة ؟
قال : نهر وغيره .
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن
ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الكوثر : الخير الكثير .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد ، قال : الكوثر : الخير الكثير .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن مجاهد : الكوثر : قال : الخير كله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : خير الدنيا والآخرة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في الكوثر ، قال : هو الخير الكثير .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : الكوثر : الخير الكثير .
قال : ثنا وكيع ، عن بدر بن عثمان ، سمع عكرمة يقول في الكوثر : قال : ما أعطي النبي من الخير والنبوة والقرآن .
حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ، قال : ثنا أبو داود ، عن بدر ، عن
عكرمة ، قوله : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : الخير الذي أعطاه الله ؛
النبوة والإسلام .
وقال آخرون : هو حوض أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن مطر ، عن عطاء ( إنا أعطيناك
الكوثر ) قال : حوض في الجنة أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا مطر ، قال :
سألت عطاء ونحن نطوف بالبيت عن قوله : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : حوض
أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 649 ]
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي ، قول من قال : هو اسم النهر الذي أعطيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وصفه الله بالكثرة ؛ لعظم قدره .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك ؛ لتتابع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك .
ذكر الأخبار الواردة بذلك :
حدثنا أحمد بن المقدام العجلي ، قال : ثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي
يحدث عن قتادة ، عن أنس قال : لما عرج بنبي الله صلى الله عليه وسلم في
الجنة ، أو كما قال ، عرض له نهر حافتاه الياقوت المجوف ، أو قال : المجوب ،
فضرب الملك الذي معه بيده فيه ، فاستخرج مسكا ، فقال محمد للملك الذي معه
: " ما هذا ؟ " قال : هذا الكوثر الذي أعطاك الله ; قال : ورفعت له سدرة
المنتهى ، فأبصر عندها أثرا عظيما " أو كما قال .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " بينما أنا أسير في الجنة ؛ إذ
عرض لي نهر ، حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقال الملك الذي معه : أتدري ما
هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك الله إياه ، وضرب بيده إلى أرضه ، فأخرج من
طينه المسك " .
حدثني ابن عوف ، قال : ثنا آدم ، قال : ثنا شيبان ، عن قتادة ، عن أنس
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما عرج بي إلى السماء ، أتيت
على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا
الكوثر الذي أعطاك ربك ، فأهوى الملك بيده ، فاستخرج طينه مسكا أذفر " .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ،
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة ، فإذا أنا بنهر
حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه ، فإذا مسك أذفر ; قال :
قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله " .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال : ثنا همام ، قال : ثنا
قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو
حديث يزيد ، عن سعيد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : ثنا أبو أيوب العباس ،
قال : ثنا إبراهيم بن مسعدة ، قال : ثنا محمد بن عبد الله بن مسلم ابن
أخي ابن شهاب ، [ ص: 650 ] عن أبيه ، عن أنس ، قال : سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الكوثر ، فقال : " هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، ترابه
مسك أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر "
قال أبو بكر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " آكلها أنعم منها "
.
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص
الليثي ، عن كثير ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " دخلت الجنة حين عرج بي ، فأعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر في الجنة ،
عضادتاه بيوت مجوفة من لؤلؤ " .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا أبي وشعيب بن الليث ،
عن الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس :
أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما
الكوثر ؟ قال : " نهر أعطانيه الله في الجنة ، لهو أشد بياضا من اللبن ،
وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر " قال عمر : يا رسول الله
إنها لناعمة ، قال : " آكلها أنعم منها " .
حدثنا يونس ، قال : ثنا يحيى بن عبد الله ، قال : ثني الليث ، عن ابن
الهاد ، عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس ، أن رجلا
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .
حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن الزهري ، أن أخاه عبد الله ، أخبره أن
أنس بن مالك صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أخبره : أن رجلا سأل النبي صلى
الله عليه وسلم ، فقال : ما الكوثر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" نهر أعطانيه الله في الجنة ، ماؤه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه
طيور أعناقها كأعناق الجزر " فقال عمر : إنها لناعمة يا رسول الله ، فقال :
" آكلها أنعم منها " .
فقال : عمر بن عثمان : قال ابن أبي أويس ; وحدثني أبي ، عن ابن أخي
الزهري ، عن أبيه ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكوثر ،
مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن فضيل ، قال : ثنا عطاء ، عن محارب
بن دثار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الياقوت والدر ، تربته
أطيب من المسك ، ماؤه أحلى [ ص: 651 ] من العسل ، وأشد بياضا من الثلج " .
حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، قال
: قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت :
حدثنا عن ابن عباس ، أنه قال : هو الخير الكثير ، فقال : صدق والله ، إنه
للخير الكثير ، ولكن حدثنا ابن عمر ، قال : لما نزلت : ( إنا أعطيناك
الكوثر ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ،
حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت " .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن
أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكوثر نهر في الجنة "
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت نهرا حافتاه اللؤلؤ ، فقلت : يا
جبريل ما هذا ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله " .
حدثنا ابن البرقي ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن جعفر بن
أبي كثير ، قال : أخبرنا حزام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن
أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب
يوما ، فلم يجده ، فسأل امرأته عنه ، وكانت من بني النجار ، فقالت : خرج
بأبي أنت آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أولا
تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا ، فأكل منه ، فقالت : يا رسول
الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وإني لأريد أن آتيك فأهنيك وأمريك ،
أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر ، فقال : " أجل ،
وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ " .
وقوله : ( فصل لربك وانحر )
اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن
يصليها بهذا الخطاب ، ومعنى قوله : ( وانحر ) فقال بعضهم : حضه على
المواظبة على الصلاة المكتوبة ، وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله : ( فصل
لربك وانحر ) .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي ، قال : ثنا محمد بن ربيعة ، قال :
ثني يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد ، عن عاصم الجحدري ، عن عقبة بن ظهير ،
[ ص: 652 ] عن علي رضي الله عنه في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال :
وضع اليمين على الشمال في الصلاة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن
عاصم الجحدري ، عن عقبة بن ظبيان عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه ( فصل
لربك وانحر ) قال : وضع اليد على اليد في الصلاة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الجحدري
، عن عقبة بن ظهير ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه ( فصل لربك وانحر )
قال : وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى ، ثم وضعهما على صدره .
قال : ثنا مهران ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن الشعبي مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عاصم
الجحدري ، عن عقبة بن ظهير ، عن علي رضي الله عنه : ( فصل لربك وانحر )
قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، يقال : ثنا عوف ، عن أبي القموص
، في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : وضع اليد على اليد في الصلاة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو صالح الخراساني ، قال : ثنا حماد ، عن
عاصم الجحدري ، عن أبيه ، عن عقبة بن ظبيان ، أن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه قال في قول الله : ( فصل لربك وانحر ) قال : وضع يده اليمنى على
وسط ساعده الأيسر ، ثم وضعهما على صدره .
وقال آخرون : بل عني بقوله ( فصل لربك ) : الصلاة المكتوبة ، وبقوله (
وانحر ) أن يرفع يديه إلى النحر عند افتتاح الصلاة والدخول فيها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي
جعفر ( فصل لربك وانحر ) الصلاة ، وانحر : برفع يديه أول ما يكبر في
الافتتاح .
وقال آخرون : عني بقوله : ( فصل لربك ) المكتوبة ، وبقوله ( وانحر ) : نحر البدن . [ ص: 653 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم وهارون بن المغيرة ، عن عنبسة
، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فصل لربك وانحر ) قال : الصلاة
المكتوبة ، ونحر البدن .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير
وحجاج أنهما قالا في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : صلاة الغداة بجمع ،
ونحر البدن بمنى .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن قطر ، عن عطاء : ( فصل لربك
وانحر ) قال : صلاة الفجر ، وانحر البدن . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني
أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( فصل
لربك وانحر ) قال : الصلاة المكتوبة ، والنحر : النسك والذبح يوم الأضحى .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : صلاة الفجر .
وقال آخرون : بل عني بذلك : صل يوم النحر صلاة العيد ، وانحر نسكك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن جابر ،
عن أنس بن مالك ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر قبل أن يصلي ،
فأمر أن يصلي ثم ينحر .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرمة : فصل الصلاة ، وانحر النسك .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن ثابت بن أبي صفية ، عن أبي جعفر
( فصل لربك ) قال : الصلاة ; وقال عكرمة : الصلاة ونحر النسك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ( فصل لربك وانحر ) قال : إذا صليت يوم الأضحى فانحر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا قطر ، قال : سألت
عطاء ، عن قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : تصلي وتنحر . [ ص: 654 ]
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ( فصل لربك وانحر ) قال : اذبح
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا أبان بن خالد ، قال : سمعت الحسن يقول ( فصل لربك وانحر ) قال : الذبح .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فصل لربك وانحر ) قال : نحر البدن ، والصلاة يوم النحر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فصل
لربك وانحر ) قال : صلاة الأضحى ، والنحر : نحر البدن .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فصل لربك وانحر ) قال : مناحر البدن بمنى .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل ، عن عكرمة ( فصل لربك وانحر ) قال : نحر النسك .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن
عباس ، في قوله : ( فصل لربك وانحر ) يقول : اذبح يوم النحر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : نحر البدن .
وقال آخرون : قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن قوما كانوا يصلون
لغير الله ، وينحرون لغيره فقيل له : اجعل صلاتك ونحرك لله ؛ إذ كان من
يكفر بالله يجعله لغيره .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو صخر ، عن محمد بن
كعب القرظي ، أنه كان يقول في هذه الآية : ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك
وانحر ) يقول : إن ناسا كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فإذا
أعطيناك الكوثر يا محمد ، فلا تكن صلاتك ونحرك إلا لي .
وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية يوم الحديبية ، حين حصر النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه ، وصدوا عن البيت ، فأمره الله أن يصلي ، وينحر البدن ،
[ ص: 655 ] وينصرف ، ففعل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، قال : ثني
أبو معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير أنه قال : كانت هذه الآية ، يعني
قوله : ( فصل لربك وانحر ) يوم الحديبية ، أتاه جبريل عليه السلام فقال :
انحر وارجع ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخطب خطبة الفطر والنحر
ثم ركع ركعتين ، ثم انصرف إلى البدن فنحرها ، فذلك حين يقول : ( فصل لربك
وانحر ) .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فصل وادع ربك وسله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك ( فصل لربك وانحر ) قال : صل لربك وسل .
وكان بعض أهل العربية يتأول قوله : ( وانحر ) واستقبل القبلة بنحرك . وذكر
أنه سمع بعض العرب يقول : منازلهم تتناحر ؛ أي : هذا بنحر هذا ؛ أي :
قبالته . وذكر أن بعض بني أسد أنشده :
أبا حكم هل أنت عم مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر
أي : ينحر بعضه بعضا .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب : قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتك
كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون
الأوثان ، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له ، [ ص:
656 ] وخصك به ، من إعطائه إياك الكوثر .
وإنما قلت : ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر
نبيه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه به من عطيته وكرامته ، وإنعامه عليه
بالكوثر ، ثم أتبع ذلك قوله : ( فصل لربك وانحر ) ، فكان معلوما بذلك أنه
خصه بالصلاة له ، والنحر على الشكر له ، على ما أعلمه من النعمة التي
أنعمها عليه ، بإعطائه إياه الكوثر ، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون
بعض ، وبعض النحر دون بعض وجه ، إذ كان حثا على الشكر على النعم .
فتأويل الكلام إذن : إنا أعطيناك يا محمد الكوثر ، إنعاما منا عليك به ،
وتكرمة منا لك ، فأخلص لربك العبادة ، وأفرد له صلاتك ونسكك ، خلافا لما
يفعله من كفر به ، وعبد غيره ، ونحر للأوثان .
وقوله : ( إن شانئك هو الأبتر )
يعني بقوله جل ثناؤه : ( إن شانئك ) إن مبغضك يا محمد وعدوك ( هو الأبتر
) يعني بالأبتر : الأقل والأذل المنقطع دابره ، الذي لا عقب له .
واختلف أهل التأويل في المعني بذلك ، فقال بعضهم : عني به العاص بن وائل السهمي .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن شانئك هو الأبتر ) يقول : عدوك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن
أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن شانئك هو الأبتر ) قال : هو العاص بن
وائل .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن هلال بن
خباب ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : ( إن شانئك هو الأبتر ) قال : هو
العاص بن وائل .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن هلال ، قال : سألت
سعيد بن جبير ، عن قوله : ( إن شانئك هو الأبتر ) قال : عدوك العاص بن
وائل انبتر من قومه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني [
ص: 657 ] الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن
أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إن شانئك هو الأبتر ) قال : العاص بن
وائل ، قال : أنا شانئ محمدا ، ومن شنأه الناس فهو الأبتر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إن
شانئك هو الأبتر ) قال : هو العاص بن وائل ، قال : أنا شانئ محمدا ، وهو
أبتر ، ليس له عقب ، قال الله : ( إن شانئك هو الأبتر ) قال قتادة :
الأبتر : الحقير الدقيق الذليل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن شانئك
هو الأبتر ) هذا العاص بن وائل ، بلغنا أنه قال : أنا شانئ محمدا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : (
إن شانئك هو الأبتر ) قال : الرجل يقول : إنما محمد أبتر ، ليس له كما
ترون عقب ، قال الله : ( إن شانئك هو الأبتر ) .
وقال آخرون : بل عني بذلك : عقبة بن أبي معيط .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن
عطية ، قال : كان عقبة بن أبي معيط يقول : إنه لا يبقى للنبي صلى الله
عليه وسلم ولد ، وهو أبتر ، فأنزل الله فيه هؤلاء الآيات : ( إن شانئك )
عقبة بن أبي معيط ( هو الأبتر ) .
وقال آخرون : بل عني بذلك جماعة من قريش .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ،
في هذه الآية : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت
والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) قال :
نزلت في كعب بن الأشرف ، أتى مكة فقال له أهلها : نحن خير أم هذا الصنبور
المنبتر من قومه ، [ ص: 658 ] ونحن أهل الحجيج ، وعندنا منحر البدن ، قال
: أنتم خير . فأنزل الله فيه هذه الآية ، وأنزل في الذين قالوا للنبي صلى
الله عليه وسلم ما قالوا : ( إن شانئك هو الأبتر ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن بدر بن عثمان ، عن عكرمة ( إن
شانئك هو الأبتر ) . قال : لما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت
قريش : بتر محمد منا ، فنزلت : ( إن شانئك هو الأبتر ) قال : الذي رماك
بالبتر هو الأبتر .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، قال : أنبأنا داود بن أبي هند
، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة أتوه ،
فقالوا له : نحن أهل السقاية والسدانة ، وأنت سيد أهل المدينة ، فنحن خير
أم هذا الصنبور المنبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا ؟ قال : بل أنتم خير
منه ، فنزلت عليه : ( إن شانئك هو الأبتر ) قال : وأنزلت عليه : ( ألم تر
إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) . . . إلى قوله ( نصيرا ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن
مبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقل الأذل ، المنقطع عقبه ، فذلك
صفة كل من أبغضه من الناس ، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه .
المصدر
منقول - اتمنى ان اكون وفقت فيما نقلت