نجحت الجزائر في تفكيك بعض الألغام التي تهدد نجاح المفاوضات التي انطلقت أمس بالعاصمة، غير أن ذلك يبقى غير كاف للوصول بالفرقاء لاتفاق يرضي جميع الأطراف وينهي حالة الاقتتال التي تعاني منها هذه الدولة الإفريقية التي تعد من بين الدول العشرة الأكثر فقرا في العالم.
أولى المهمات التي وفقت فيها الوساطة الجزائرية والتي اعتبرت خطوة تمهيدية ناجحة، كانت إقناع الأطراف المتصارعة في شمال مالي، ممثلة في فصائل المعارضة المسلحة المتكونة من قبائل ترڤية عربية من جهة، والحكومة المركزية في باماكو ومعها بعض الميلشيات الداعمة لها.
وتحت إشراف السلطات الجزائرية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، تم تبادل الأسرى بين الحكومة المالية والحركات المسلحة الأزوادية، وهي العملية التي اعتبرها المتابعون، خطوة كبيرة على طريق إنجاح قمة الجزائر. وبدأت عملية تبادل الأسرى بإرسال الحركات الأزوادية لعشرات الجنود الماليين الذين احتجزتهم الشهر الماضي خلال مواجهات مع الجيش المالي في مدينة كيدال في أقصى الشمال المالي.
أما الحكومة المالية فقامت من جهتها بإرسال السجناء الأزواديين إلى الجزائر، قبل أن تقوم السلطات الجزائرية بتسليمهم للجماعات والفصائل التي ينتمون إليها، وذلك بناء على الاتفاق الموقع في العاصمة البوركينابية، واغادوغو، بتاريخ 18 جوان 2013 بين الحكومة والحركات الأزوادية.
غير أن لب الخلاف يكمن في تباين وجهات النظر بشأن مصير إقليم الأزواد المتنازع عليه بين الطرفين، فبينما تصر الفصائل "الترڤية" و"العربية" المعارضة للحكومة المركزية في باماكو، على استقلال الإقليم كشرط لوقف القتال الذي اندلع قبل نحو أزيد من عامين، تعتبر السلطات المالية، وحدة التراب المالي خط أحمر، ينبغي عدم تجاوزه.
فقد أكد وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، الذي يقود وفد بلاده في مفاوضات الجزائر، أن حكومة بلاده "مستعدة للذهاب إلى أبعد ما يمكن دون تجاوز الخطوط الحمراء". وأضاف في تصريح أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، أن هذه الخطوط الحمراء هي "احترام الوحدة الترابية ووحدة مالي والطابع الجمهوري للدولة المالية".
غير أن "الخطوط الحمراء" التي رسمها قائد وفد الحكومة المالية لا تبدو بالقوة التي تحملها الكلمات التي عبر بها عن موقف بلاده، لأن الواقع على الأرض لا يخدم الحكومة المركزية، وخاصة بعد المعارك التي شهدها إقليم الأزواد في شهر ماي المنصرم، والتي تكبد فيها الجيش النظامي خسائر فادحة في الأرواح والأسرى، فضلا عن فقدان الحكومة المركزية السيطرة على ما يقارب الثلثين من المساحة الإجمالية للبلاد.
ومن شأن هذا المعطى أن يساعد الوساطة الجزائرية ويزيد من هامش تحركها الهادف إلى إيصال الأطراف المتصارعة إلى وفاق بشأن مستقبل الصيغة القانونية لإقليم الأزواد.
وفي هذا الصدد، يشير المتابعون للنزاع في شمال مالي، إلى أن الاتفاق قد يستقر على صيغة استقلال ذاتي لإقليم الأزواد، يسند فيه تسيير الإدارة المحلية لفصائل المعارضة، مع الرجوع للحكومة المركزية في المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع.