هذه القصة حقيقية وقعت مع طبيبة في الإمارات
قالت الطبيبة
دخلت عليّ عجوز في الستينات من عمرها ومعها ابنها
وقد لاحظت حرصه الزَّائد عليها؛ حتَّى إنَّه يُمسك يدها ويُصلح لها عباءتها ويمدُّ لها الأكل والماء!
بعد سُؤالي عن المُشكلة الصِّحيَّة وطلب الفُحوصات: سألته عن حالتها العقليَّة، لأنَّ تصرُّفاتها لم تكن موزونة؛ ولا رُدودها على أسئلتي!
فقال: إنَّ أُمِّي مُتخلِّفة عقلياً مُنذ الولادة!
تملَّكني الفُضول فسألته: فمن يرعاها؟!
قال: أنا.
قلت: والنعم، ولكن من يهتمُّ بنظافة ملابسها وبدنها؟
قال: أنا، أُدخلها الحمَّام، وأحضر ملابسها، وانتظرها إلى أن تنتهي، وأُصفِّف ملابسها في الدُّولاب، وأضع المُتَّسخ في الغسيل، وأشتري لها النَّاقص من الملابس.
قلت: ولم لا تُحضر لها خادمه؟!
قال: لأن أُمِّي مسكينة مثل الطِّفل لا تشتكي، وأخاف أن تُؤذيها الشَّغالة.
اندهشت من كلامه ومقدار برِّه، وقلت: وهل أنت مُتزوِّجٌ؟
قال: نعم والحمد لله، ولديَّ أطفال.
قلت: إذن زوجتك ترعى أمك؟
قال: هي ما تقصَّر، وهي تطهو الطَّعام وتُقدِّمه لها، وقد أحضرت لزوجتي خادمة حتَّى تُعينها، ولكن أنا أحرص أن آكل معها حتَّى أطمئنَّ عشان السُّكر.
زاد إعجابي ومسكت دمعتي، واختلست نظرة إلى أضافرها فرأيتها قصيرة ونظيفة، فقلت: أظافرها؟
قال: قلت لك يا دُكتورة: هي مسكينة، طبعاً أنا.
نظرت الأُمُّ له وقالت: متى تشتري لي بطاطس؟
قال: ابشري الحين أودِّيك البقَّالة.
طارت الأُمُّ من الفرح وقامت تناقز: الحين الحين!
التفت الابن وقال: والله إنِّي أفرح لفرحتها أكثر من فرحة عيالي الصِّغار.
سوِّيت نفسي أكتب في الملف حتَّى ما يبيِّن أنِّي متأثرة، وسألت: ما عندها غيرك؟
قال: أنا وحيدها، لأنَّ الوالد طلَّقها بعد شهر لما عرف أنَّها متخلفة عقلياً.
قلت: هل ربَّاك أُبوك؟ قال: لا؛ جدَّتي، كانت ترعاني وترعاها، وتوفَّت الله يرحمها وعمري عشر سنوات.
قلت: هل رعتك أُمُّك في مرضك؟ أو تذكر أنَّها اهتمَّت فيك؟ أو فرحت لفرحك؟ أو حزنت لحزنك؟
قال: أُمِّي مسكينة، طُول من كان عمري عشر سنين وأنا شايل همها وأخاف عليها وأرعاها.
كتبت الوصفة وشرحت له الدواء.
ثُمَّ مسك يد أُمَّه وقال: يلَّه الحين البقَّالة.
قالت: لا؛ نروح مكة.
استغربت، قلت لها: ليه تبين مكة؟
قالت: بركب الطيارة.
قلت له: هي ما عليها حرج لو لم تعتمر، ليه تودِّيها وتضيِّق على نفسك؟
قال: يمكن الفرحة اللِّي تفرِّحها لا وديتها أكثر أجر عند ربِّ العالمين من عمرتي بدونها.
خرجوا من العيادة وأقفلت بابي، وقلت للمُمرِّضة: أحتاج لبعض الراحة
بكيت من كُلِّ قلبي، وقلت في نفسي: هذا وهي لم تكن له أُماً! فقط حملت وولدت! لم تُربِّي! لم تسهر اللَّيالي! لم تمرض! لم تُدرِّس! لم تتألَّم لألمه! لم تبكي لبُكائه! لم يُجافيها النَّوم خوفاً عليه! لم! ولم! ولم! ومع كل ذلك كل هذا البر!
تذكَّرت أُمِّي وقارنت حالي بحاله! فكَّرت بأبنائي! هل سأجد رُبع هذا البر؟
جاءت المُمرِّضة فقالت: دكتورة: هل نكمل عملنا
مسحت دمــــــوعي، وأكملت عملي، وفي القلب غصَّة