إنّ يوم القيامة هو اليوم الذي تتشقّق فيه الشمس فتكون سيّارات ، وتتمزّق فيه الأرض والسيّارات الحاليّة فتكون نيازك ، وتتفتّت فيه الجبال فتكون هباءً منثوراً ، وهو اليوم الذي تموت فيه المخلوقات المادّية كلّها فلا يبقى على وجه الأرض ولا السيّارات الأخرى أحد من الأحياء . والخلاصة أنّ يوم القيامة هو اليوم الذي تتمزّق فيه المجموعة الشمسية بأسرها ، فهو يوم الهلاك والدمار ، فإذا كان ذلك اليوم وتمزّقت الأرض فإنّ النفوس تنفر من الأرض وتنتشر في الفضاء ولا يبقى على وجه الأرض سوى الأجسام الميّتة ، وفي ذلك اليوم يكون الحشر والحساب والجزاء ودخول الجنّة أو النار لسائر الناس .
قال الله تعالى في سورة الحاقة {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ . وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً . فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} يعني في ذلك اليوم تقوم القيامة ، وفيه ينفخ في الصور نفخة واحدة ، وفي ذلك اليوم تدكّ الأرض والجبال ، أي تتهدّم . وقال تعالى في سورة ق {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} أي تتشقّق عن النفوس ؛ لأنّ النفوس داخل الأرض أي داخل القبور (( ولِمزيد من المعلومات راجع كتاب "الإنسان بعد الموت" للمؤلّف )) ، ومن ذلك قول كعب بن زهير يصف أفراخ القطا :
رَوَايَـا فِـراخٍ بالفَـلاَةِ تَـوَائـمٍ تَحَطَّمَ عنها البَيْضُ حُمْرِ الحَوَاصِـلِ
فإذا تشقّقت عنهم يتركونَها وينتشرون في الفضاء ثمّ يكون المحشر ، وذلك قوله تعالى {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ويؤيّد ذلك قوله تعالى في سورة النساء {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَو تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا}
فقوله تعالى {لَو تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} يعني يتمنّون لو تعود الأرض كما كانت فتلتحم بعد تشقّقها ويختفون فيها كما كانوا مختفين في قبورهم ولم بكن لَهم حشر ولا حساب ولَمّا تشقّقت الأرض عنهم رأوا المحشر والعذاب فتمنّوا ذلك ، فلفظة {تُسَوَّى} يعني تلتحم بعد تجزّئها ، كما في قوله تعالى في سورة القيامة {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} أي قادرين أن نُرجع جسم الإنسان كما كان فنعيد البنان [: أو بصمات الأصابع] بخطوطها كما كانت قبل موتِها .
وقال تعالى في سورة التكوير {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ . وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} ، والمعنى : إذا كان ما ذكرناه من تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسيير الجبال فحينئذٍ يكون يوم القيامة ، وقد مرّ تفسير هذه الآيات . وقال تعالى في سورة الانفطار {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ . وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ . وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}، والمعنى : إذا كانت هذه الحوادث فذلك اليوم هو يوم القيامة .
وقال تعالى في سورة الانشقاق {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ . وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ . وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} ، والمعنى : إذا وقعت هذه الحوادث فذلك اليوم هو يوم القيامة ، وفي ذلك اليوم يكون الحساب والجزاء ، فقوله تعالى {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} يعني ألقت ما فيها من النفوس وفرغت منهم . وقال تعالى في سورة الزلزال {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا . وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا . يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا . بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}، والمعنى : إذا وقعت هذه الحوادث فحينئذٍ يكون يوم القيامة ، فقوله تعالى {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} يعني أخرجت النفوس التي كانت ثقيلة على الأرض ، كقوله {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} و"الأثقال" هم الأشرار ، فمن كان سيّء الخُلق مذمومة أفعاله يسمّى "ثقيل" ، والشاهد على ذلك قول الخنساء :
أَبَعدَ اِبنِ عَمرو مِن آلِ الشَريدِ حَلَّـت بِـهِ الأَرضُ أَثقالَهـا
والمعنى : بعد فقد عمرو وهو أخوها ، نزلت الأشرار بتلك الأرض لأنّهم أمِنوا سطوته .
وقال الشاعر :
إذا حلّ الثقيلُ بأرضِ قومٍ فَما لِلساكِنينَ سِوى الرحيلِ
وقال تعالى في سورة المرسلات {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ . وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ . وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}، والمعنى : إذا وقعت هذه الحوادث فحينئذٍ يكون يوم القيامة ويكون الحساب والجزاء ، والدليل على ذلك قوله تعالى قبل هذه الآيات {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} ، يعني ما توعَدون به من الحساب والجزاء هو واقع ثمّ بيّن سبحانه متى يكون ذلك فقال{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ . وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ ...الخ} . وقال تعالى في سورة القيامة {بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ . يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ . فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ . وَخَسَفَ الْقَمَرُ . وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ . يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ . كَلَّا لَا وَزَرَ . إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ . يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} ، والمعنى : إذا كانت هذه العلامات حينئذٍ يكون يوم القيامة متى يكون ، فأجابَهم الله تعالى بِهذه الآيات .