المحبة مفتاح الأبواب المغلقة
تقول:
تربطني صداقة حميمة بجارتي التي تكبرني بأعوام وأعوام، أكاد معها أبدو كإبنة وأمها، وهي وإن كانت قد تخطت سن الكهولة والنضج وولجت سن الشيخوخة والحكمة، فإني لم أشعر يوماً إلا بروح الشباب تُدثِّر أعطافها، فالابتسامة مشرقة دائماً على وجهها، والكلمة الطيبة تسبق إلى فمها، والعذوبة تقطر من لسانها، والنظرة المحبة للحياة تنبثق من عينيها، مما دفعني يوماً الى سؤالها عن سر هذه الروح المتوثبة المتفائلة المحبة للبشر، فانفرجت شفتاها عن ابتسامة ودودة حملت نقاء قلبها كإشراقة طفل على وجه شيخ أتبعتها بسؤال لطيف: هل توعديني ألا تُفشي سري لأحد اذا أطلعتك عليه؟ فوعدتها بذلك
فانسابت تحكي لي قصتها بوجدانها ولسانها معاً...
*******
منذ أكثر من خمسين عاماً كنت في نهاية مرحلة الطفولة وبداية مرحلة المراهقة كما تسمونها الآن، كنت ذات مرة ألعب في غرفتي مع ابنة الجيران، فنادتني أمي قائلة لي أن والدي يريد الحديث معي وكان رحمه الله وقوراً وليس من عادته أن يتحدث الينا بأمر الا فيما ندر، بل طلباته وأوامره تُنقل الينا عادة بواسطة الوالدة، فاستأذنت صديقتي وهرعت الى أبي في غرفته، واذا به يطلب مني أن أضع عليّ ملابس مناسبة لأدخل على ضيوفه.. واذا بهم خالي وأخي الكبير والرجل الذي سوف يُعقد قرآني عليه..
ولم يكن ثمة مجال للاستفسار أو الاعتراض أو التساؤل، فأذعنت لأمر والدي .. وما هي الا أيام معدودات وأصبحت في بيت أهل زوجي..
هكذا كان مصيري.. ووجدت نفسي خادمة مطيعة لأهل زوجي ، ولم يكن يخفف عني هذا العبء المضني سوى حبه لي، لكن ما كان يؤرقني هو والدة زوجي التي كانت لا تكف عن انتقادي، المحبة مفتاح الابواب المغلقة فمهما فعلت فلا يُعجبها شئ، وربما كانت على حق وقتها لأني فعلاً كنت لا أتقن الكثير من الاعمال المنزلية المحبة مفتاح الابواب المغلقة ...
وكم حاولت أن أغير نظرتها لي بالتفاني في خدمتها ومساعدتها، لكن نظرتها السوداوية لي لم تتغير، فأصبحت أشكو لزوجي تصرفاتها المحبة مفتاح الابواب المغلقة دون أن يستطيع فعل شي المحبة مفتاح الابواب المغلقة سوى تذكيري بأنها أمه وأن من واجبي أن أحتملها وأسعى الى رضاها..
فلم يكن مني الا أن حاولت الخروج على سيطرتها، مرة بالكلام ومرة بفعل عكس ما تأمر به المحبة مفتاح الابواب المغلقة ، حتى زادت الفجوة بيني وبينها ولم يكن ثمة مجال لاصلاح او شكوى لأهلي.. فأمي لا تنقل لأبي ما أنقله لها عن حالتي، بل تحدثني في كل مرة عن فضائل الصبر حتى كرهت تلك الكلمة " الصبر" المحبة مفتاح الابواب المغلقة وتحولت حياتي الى ما يشبه الجحيم، فماذا أفعل حتى أتخلص من الكابوس؟
وذات يوم اغتنمت فرصة وجودي مع والدتي في السوق في احدى المرات القليلة التي كنت أخرج فيها ، فغبت عن عينيها برهة ودلفت الى دكان العطار الذي يعرفني منذ كنت طفلة، واخبرته بمشكلتي مع حماتي، وطلبت منه أن يساعدني باعطائي سماً لأضعه في طعامها... ففكر العطار قليلاً المحبة مفتاح الابواب المغلقة ، ثم قال لي: "هل تعدينني أن يبقى الأمر سراً بيننا، وأن تنفذي ما أطلبه منك تماماً؟" فأجبته بالايجاب..
"مداخلة أخرى من جانبي "تحملوا غلاظتي!" : يبدو أن صديقتنا دائماً ما تُفشي الأسرار... أتدرون كيف؟ تابعوا أحداث القصة..! *****
دخل العطار الى غرفة خلفية في دكانه، وعاد وبيده لفة فتحها امامي ... فرأيت فيها شيئاً أشبه بالبهار الأبيض، ثم قال: "هذا طلبك ... عليك أن تضعي مقداراً قليلاً من هذه المادة كل يوم في طبقها الخاص، بحيث يتغلغل السم في جسد حماتك تدريجياً وليس بشكل فجائي.. وذلك كي لا تموت بسرعة فيشتبهون بك، فتقومين بالاعتراف عليّ فأخسر سمعتي بين الناس وأتحول الى مجرم.. وانا أريد مساعدتك ولذا فمن واجبك كي لا يشكّ بك أحد أن تعامليها أحسن معاملة طيلة هذه الفترة.. وكأنها والدتك الحقيقية بل كأنها ملكة إن استطعت ذلك!"
شكرت العطار من قلبي، وعدت الى منزلي وقد عزمت على تنفيذ ما طلبه مني حرفياً كي تموت دون ان يشعر أحد بأنني سبب موتها..
وهكذا زيّن لي شيطاني أن أتخلّص من تلك المرأة التي أحالت حياتي الى نكد..
ومضى اليوم وراء اليوم وأتي الشهر وراء الشهر، وأنا أتقرّب منها وأتزلّف اليها ولا أدع أحداً يخدمها سواي حرصاً مني على أن أضع لها في طبقها شيئاً من تلك المادة السامة حتى يحين أجلها الذي لم أكن أتخيل إلا أنه حاصل اليوم أو غداً...
مضت ستة شهور وحماتي لم تمت!
لكن لطيب معاملتي لها تلك الفترة واغراقي إياها بالشكر على ما صنعت وما لم تصنع! وطاعتي لها على ما اقتنعت به من كلامها وما لم أقنع!... انقلب حالها معي وتغيّرت معاملتها لي فأصبحتُ أحبُّ اليها من ابنتها التي ولدتها وصارت لا تخرج الى مكان الا وتصحبني معها، وحيثما وجدت أحداً من معارفها قدمتني لهم على أنني أفضل امرأة تحلم بها أم كزوجة لابنها...
ورويداً رويداً تحوّل كرهها في قلبي الى حُبّ، فصرت أقدم لها ذلك الطبق دون أن أضيف اليه السم... لكني خشيت أن تسبب الكمية التي تناولتها سابقاً أي تأثير قادم أو أذى مقبل على صحتها وجسمها...
فذهبت الى العطار مرة أخرى.. وسألته المعونة على استخراج هذا السم من جسدها، وأخبرته بأنها تغيّرت وأصبحت معاملتها لي كمعاملة الأم لابنتها... فجاءني جواب العطار...
وكأنه ماء بارد سُكِب على جسدي ...
"لا تقلقي يا ابنتي... فتلك المادة التي أعطيتك اياها ليست سوى ....
مادة مقوّية لجسدها ليتمكّن من مقاومة الشيخوخة!
السم الحقيقي كان في نظرتك اليها ... فأنتِ لم تتقبليها كأم، فأصبحت بالنسبة لك عدوة,, أما عندما عاملتيها بالحب واللطف فقد عاملتك بالمثل!
وهكذا انسحب السم كله من عقلك وقلبك... فبالحب وحده تزول كل سموم الحياة"
العبرة من القصة...
أختي الفاضلة ... الزوجة الطيبة..
عاملي الناس بالطريقة التي تريدين أن يعاملوكِ بها مستقبلاً... وخاصةً أم زوجك... فهي أم من تحبين على الأقل... فلو كنتِ تحبينه فعلاً لأحببت كل ما يحبه وكل ما كان له أثر في حياته... وأيما أثر هو أثر أمه... فهي سبب وجوده في الحياة... ولولاها لما وجدته!
كل من يحب الناس سيكون محبوباً لهم... وربما كان لله حكمة أن يغير الأشخاص الآخرين من خلالنا نحن!
لا تنسي.. بأنك ستكونين يوماً ما - بإذن الله - أماً وحماةً لزوجة ابنك! فازرعي الخير... تحصدينه...
وتذكري قول الله تعالى: (ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). (فصلت:34).