ألقى دول الجوار الليبي في سياق بحثهم عن حلول الأزمة الليبية المعقدة، عبئا ثقيلا على الجزائر، تمثل في تكليفها بمتابعة ومعالجة الأزمة الليبية في جوانبها العسكرية والأمنية والاستخباراتية.
فلماذا اختيرت الجزائر دون غيرها من الدول الست للقيام بهذه المهمة؟ وما خلفيات هذا التكليف؟ وما طبيعة المساعدة التي يمكن أن تقدمها الجزائر لليبيا بموجب هذا التكليف؟
وعلى الرغم من وجود سبع دول مجاورة لليبيا، وهي تونس ومصر والسودان والنيجر والتشاد، إلا أن المهمة الأصعب تكفلت بها الجزائر، فيما اقتصر دور الجارة الشرقية لليبيا، مصر، على متابعة الجوانب السياسية وتوفير الأجواء الملائمة لإطلاق حوار بين الفرقاء، وهو ما يعني أن هناك ضرورة ملحة تقف خلف المهمة الجزائرية.
يعتقد الضابط المتقاعد والأستاذ بمعهد العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، أحمد عظيمي، أن المهمة التي كلفت بها الجزائر تم فيها مراعاة جملة من الاعتبارات الجيوسياسية وكذا المعطيات التي تطبع الوضع الداخلي في دول الجوار الليبي الأخرى، والتي تعيش في مجملها على وقع أزمات ومعوقات تحول دون إنجاز المهمة التي أسندت إلى الجزائر.
يقول أحمد عظيمي في اتصال مع "الشروق" أمس: "الحدود البرية بين الجزائر وليبيا تمتد على طول ما يقارب الألف كيلومتر، في حين أن مظاهر الدولة ومؤسساتها غائبة تماما عن ليبيا، وهذا لا يخدم البتة الطرف الجزائري الذي لا يمكن أن يأتمن على حدوده والحال هذه".
وسجل المتحدث: ".. استمرار الوضع على ما هو عليه في ليبيا، سوف لن يشكل خطرا على الجزائر وحدها، وإنما على الدول المجاورة وعلى المنطقة برمتها، غير أن تخبط الدول المجاورة في مشاكلها الداخلية، وفي مقدمتها مصر التي تعيش على وقع أزمات أمنية وسياسية منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، وما تبعه من أحداث دموية.. يضاف إلى ذلك شح مواردها المالية، واعتماد جيشها على المساعدات الأمريكية، يجعل من الصعوبة بمكان، قدرة مصر على إنجاز المهمة التي أنيطت بالجزائر".
أما وضع بقية الدول الأخرى، يقول عظيمي، فلا يختلف كثيرا عن الوضع في مصر، فتونس لا تزال في مفترق الطرق بعد نحو ثلاث سنوات من ثورة الياسمين، والسودان تعيش قلاقل داخلية منذ سنين عدة، أما دولا مثل التشاد والنيجر فلا يوجد بحوزتها ما يمكن أن تقدمه لليبيا، بسبب فقرهما ومشاكلهما الداخلية المتعددة.
ومن هذا المنطلق، يرى الباحث في العلوم السياسية أن الجزائر هي الدولة الوحيدة القادرة على التكفل ببناء جهاز شرطة وتكوين عناصره وتدريب عسكريين قادرين على تشكيل جيش ليبي بإمكانه مواجهة التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهه، بالنظر للتجربة الطويلة التي قضاها الجيش الجزائري في مواجهة الإرهاب والنجاح في القضاء عليه.