هل يصوم القلب ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على رسول الله ...
أما بعد :
سألتة : ما الصيام عندك ؟
قال : كف البطن عن الطعام والشراب ,والفرج عن قضاء الشهوة .
قلت : هذا أهون الصيام عند السلف .
قال : فكف السمع والبصر واللسان واليد والرجل
وسائر الجوارح عن الآثام .
قلت : ونسيت القلب ؟
قال : وهل يصوم القلب ؟
قلت : يصوم أعظم صيام .
قال : اشرح لي ذلك .
قلت : صيام القلب بالإعراض عن الهمم الدنيئة والأفكار الدنيوية ,
وبكفه عما سوى الله بالكلية .
قال : وكيف يكون الفطر من هذا الصوم ؟
قلت : يكون بالفكر فيما سوى الله والدار الآخرة ,
وانشغال القلب بالدنيا إلا دنيا تراد للآخرة .
قال : وهل لذلك أثر من الكتاب والسنة ؟
قلت : قولة تعالى : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
( الشعراء : 88 , 89 )
فعلق النجاة يوم القيامة على سلامة القلوب و إذا سلِمت القلوب سَلمت الجوارح , واستقامت على طاعة الله , واجتنبت معصيتة ونواهيه.
وقال النبي صلى الله علية وسلم :
" ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد ,
وإذا فسدت فسد سائر الجسد , ألا وهي القلب
" ( متفق علية ) .
فأساس
الصلاح والفساد هو صلاح القلوب وفسادها ولذلك كان إصلاح القلوب
وتهذيبها وتطهيرها من أعظم أعمال الطاعة التي غفل عنها كثير من الناس .
قال أبو تراب النخشبي : ليس من العبادات شئ أنفع من إصلاح خواطر القلوب .
وقال
أحمد بن خضروية : القلوب أوعية , فإذا امتلأت من الحق , أظهرت زيادة
أنوارها على الجوارح , و إذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها على
الجوارح .
" صفة القلـب الصائــم "
والقلب الصائم : قلب متحرر من حب الدنيا والتعلق بشهواتها وملذاتها ,
طلباً للنعيم الأعلى والراحة الدائمة .
قالت رابعة : شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن حب الله عز وجل , ولو تركوها لجالت في الملكوت , ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد
والقلب الصائم : قلب مشغول بالفكر في الآخرة , والقدوم على الله عز وجل .
قال حادث بن أسد : بلية العبد تعطيل القلب عن فكره في الآخرة , حينئذ تحدث الغفلة في القلب .
والقلب
الصائم : قلب سالم من الأحقاد والضغائن لا يضمر لأحد من المسلمين غلاً
ولا شراً ولا حسداً بل يعفو ويصفح ويغفر ويتسامح , ويحتمل أذى الناس
وجهلهم .
وقد سئل ابراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال :
" العُزلة والصمت وترك إستماع خوض الناس ولا يعقد القلب على ذنب , ويهب لمن ظلمة حقة " .
والقلب الصائم : قلب ساكن مخبت متواضع ليس فية شئ من الكبر والغرور والعلو في الأرض .
قال النبي صلى الله علية وسلم :
" لا يدخل الجنة من كان في قلبة مثقال ذرة من كبر "
( رواة مسلم ) .
والقلب الصائم : قلب مخلص لا يريد غير وجة الله , ولا يطلب إلا رضى الله , ولا يلتذ بغير محبة الله وذكره وشكره وحُسن عبادته .
قال يحيى بن معاذ : النسك هو العناية بالسرائر واخراج
ما سوى الله عز وجل من القلب .
وقال
ضيعم : إن حبه تعالى شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره فليس لهم في
الدنيا من لذة حب تداني لذة محبته , ولا يأملون في الآخرة من كرامة إلا
الثواب الأكبر عندهم وهو النظر إلى وجه محبوبهم
" سبحانه وتعالى "
فأين أصحاب هذه القلوب النقية ؟و أين أرباب تلك الهمم العليّة ؟ ذهبوا ـ والله ـ فهل ترى لهم بقية ؟
نسأل المولى الكريم ان نكون منهم أحبائى فى الله
" أعيـاد الصائـمين "
قال
ابن رجب : " من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى ويحفظ
البطن وما وعى ويذكر الموت والبلى ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا ,
فهذا عيد فطره يوم لقاء ربة وفرحته برؤيتة .
كما قيل :
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب .
والعارفون و أهل الأنس صومهم صون القلب عن الأغيار والحجب .
تقبل الله منا ومنكم
ورمضان مبارك
اللهم أعنا فيه على صيامه وقيامه
وجنبنا فيه من هفواته واثامه
وأرزقنا فيه ذكرك بدوامه
بتوفيقك يا هادي المضلين و زينا فيه بالستر والعفاف
واسترنا فيه بلباس القنوع والكفاف
وارحمنا فيه على العدل والإنصاف
برحمتك يا ارحم الراحمين