السؤال المهمّ أخيراً في هذا المقام : كيف يبتلى الإنسان العاقل في ظاهر الأمر ، فيكون مجنوناً بصورة من هذه الصور ؟! وكيف له أن يستمرئ هذا الحال ، ويرضى به .؟!
إنّها معادلة بسيطة ظاهرة ، ولكنّها واسعة متشعبّة ، عميقة متجذّرة ، في حياة الإنسان وسلوكه ، لا ينجو منها إلاّ من استنارت بصيرته بنور الإيمان والعلم ، وحفّته عناية الله وتوفيقه قبل كلّ شيء : إنّه نقص العلم + غلبة الهوى = تعطيل العقل وتغييبه . وتعطيل العقل هو الجنون بكلّ صورة من هذه الصور ..
وغنيّ عن البيان أنّ غلبة الهوى وراءها الشيطان المتربّص بالإنسان ، كما يتربّص الوحش الكاسر بفريسته .. وعندما يغلب الهوى ويتمكّن ، يستحوذ الشيطان على الإنسان وينسيه ذكر الله ، فما أبعده عندئذٍ عن الفلاح إلاّ أن يشاء الله ..
وبعد ؛ فممّا هو شائع عند عامّة أهل الشام دعوة حكيمة : " اللهمَّ يا مالكَ يوم الدين ، ثبّت علينا العقل والدين " ، فالعقل والدين صنوان ، لا يفترقان إلاّ كان أحدهما بلاء على صاحبه . وهم يقولون ذلك كلّما رأوا خروج أحد عن منطق العقل وبداهته ، وتندّراً ببعض المواقف والتصرّفات ..
وممّا سمعت من بعض المشايخ كلمة مأثورة لم أعرف قائلها : " من عصى الله فارقه عقل لا يعود إليه أبداً .. " إلاّ أن يتوب .
فيا ربّ لك الحمد على نعمة العقل ، ونسألك أن تحفظ علينا ديننا وعقولنا ، وتلهمنا رشدنا ، وتعيذنا من تسلّط الأهواء علينا ، وتحكّم المحن بنا ، وتأخذ بنواصينا إليك ، ولا تجعل للشيطان علينا سبيلاً ..