(بل الإنسانُ على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى معاذيرهُ ) (القيامة : 14 )
نستطيع أن نقول: إن الدعوة الإسلامية الحديثة استطاعت وإلى حد بعيد الانتصار في المعركة الأساسية، وهي تحقيق الذات الإسلامية، وتحديد معالم الشخصية الإسلامية وبيان مقوماتها وطرحها على الساحة من جديد، والتحقق بالتميز الإسلامي على مستوى التصور، وإن كان هذا التميز لا يزال بأشد الحاجة إلى الرشد.. ولعل صور الصراع المحتدم بين الإسلام وخصومه، وشراسة المواجهة، مؤشر واضح على تحقق الوجود الإسلامي على الساحة، سواء نُظر لذلك من خلال المؤمنين به المضحين في سبيله، أو من خلال الخصوم واشتدادهم بالمواجهة.
كما أن الدعوة الإسلامية الحديثة استطاعت الانتصار أيضاً في معركة التحدي الحضاري، والصراع الفكري، وتخليص الجماهير المسلمة من مركب النقص أمام الحضارة الأوربية الغازية المتفوقة ماديـًا وتجاوز المشكلات التي قُذف بها العالم الإسلامي ليكون ذلك وسيلة ومدخلاً لاسترداد الحلول الاستعمارية لعالم المسلمين وادعاء عجز الإسلام عن المواجهة وتنظيم أمور الحياة ..
وحدة العالم الإسلامي
وهذا لا يعني بالطبع التخلص النهائي من بعض الشراذم والأعشاب الضارة التي ما تزال تعيش في الحقل الإسلامي، وتمارس عملية النفاق الاجتماعي لإخفاء حقيقتها وتعمل لمصلحة غير المسلمين، لأن الشرّ من لوازم الخير، قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المُجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً ) ( الفرقان: 31) كما استطاعت الدعوة الإسلامية الحديثة الاحتفاظ بشعور المسلمين بوحدة العالم العربي والإسلامي وإقناعهم بأن ذلك دين لا يجوز التفريط فيه، قال تعالى: ( إنْ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدونِ )
( الأنبياء: 92) فالأمم أقوى من الحكومات، والمبادئ أبقى من السياسات رغم واقع التجزئة الذي جاء به الاستعمار الحديث ليثأر لهزيمة الحروب الصليبية بعد أن أجمع على تقطيع أوصال دولة الخلافة، وأمعن في تفتيت وتذويب العالم العربي ـ قلب الأمة الإسلامية ودماغها ـ وفرض واقع التجزئة وأقام الكيانات الإقليمية والد ويلات مستخدماً كل النزعات القبلية والعشائرية والعائلية والجنسية والقومية، وبعث كل الفوراق من مرقدها لتكون حواجز في وجه الأمة الواحدة على شكل لم يحدث له مثيل في العالم حتى بعد الاقتسام الاستعماري لتركه الرجل المريض !! ذلك أن التمزيق لم يأت بحسب جنسية الاستعمار، وإنما مزقت البلاد العربية والإسلامية شر ممزق، وقُطِّعت إرباً رغم أن العلم الاستعماري كان واحداً، فالبلاد العربية التي كانت تابعة للاستعمار البريطاني وواقعة تحت انتدابه، كالعراق وفلسطين والأردن، جعل لكل منها كيانها الخاص، وفي مناطق أخرى من العالم العربي كانت واقعة تحت الحماية البريطانية حيث بلغت التجزئة وعدد الدويلات صورة لا يقبلها العقل.. كما قسم الاستعمار الفرنسي سورية ولبنان، وجعل المغرب العربي مغارب، ورسم الحدود وضمن حراستها، وأقام السدود والحواجز حتى بات العربي المسلم اليوم قادراً على التحرك في معظم أنحاء العالم إلاّ في وطنه العربي.. وكذلك حاول الاستعمار إيجاد البدائل الفكرية والسياسية والتربوية على الأرض الإسلامية على شكل لم يحدث ما يشبهه في مختلف مناطق الاستعمار في العالم، ونبش القبور وقرأ الحجارة والصخور في محاولة يائسة لتثبيت الكيانات ودعم الدويلات باسم الفن الشعبي والفلكلور، وغير ذلك كثير من المصطلحات..
المواجهة المكلفة
لذلك نقول إن الدعوة الإسلامية الحديثة خاضت معارك متعددة الجوانب، وكانت المواجهة مكلفة خلال نصف قرن من الزمان .
إنه قدر هذه الأمة في هذه المرحلة من الحياة، كما أنها قدمت تضحيات وخاضت معارك ضد الظلم والاضطهاد والاستعمار والاستعباد أعادت للذاكرة صور الجهاد الأولى، ودقت ناقوس الخطر اليهودي والتبعية الثقافية بشكل مبكر، ومبكر جداً،فلعلنا ندفع اليوم ثمن الانسلاخ عن الإسلام، وضريبته من التفرقة والتخلف.
نعود إلى القول : إن الدعوة الإسلامية الحديثة، رغم كل محاولات التفتيت، استطاعت الاحتفاظ بشعور المسلمين بوحدة العالم الإسلامي، وعملت على تنمية هذا الشعور، وبدأت بإقامة بعض المؤسسات الجامعة على مستوى العالم الإسلامي، وعقد المؤتمرات الشعبية التي تعاظم أمرها إلى درجة اضطر معها الرسميون في عالم المسلمين إلى رفع شعارات الوحدة العربية،والوحدة الإسلامية، بعد أن كاد بعث الكيانات الإقليمية يعصف بها، ويهدد تاريخ الأمة، ويمزق رقعة تفكيرها، ويقضي على وحدتها الشعورية الجامعة..
كما أنها استطاعت أن تعيد الجماهير المسلمة إلى الاعتزاز بالإسلام، والاستعلاء بالإيمان، وتجديد الأمل بقدرة الدين على مواجهة المشكلات المعاصرة بما له من تاريخ وتجربة، ولقد ساعد على ذلك عوامل كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، لعل من أهمها: سقوط الحضارة الغربية الأوروبية وعجزها عن الإجابة عن مشكلات الإنسان وإخفاق خريجي المدارس الاستعمارية وتلامذتها، الذين مكّن لهم الاستعمار، من تحقيق أي أمل أو تقديم أي عمل للجماهير المسلمة، وأن ما طرح من شعارات وبدائل فكرية لم تخرج في الحقيقة عن أن تكون أقنعة اختبأت خلفها الطائفيات والإقليميات التي تحمل الكيد التاريخي للإسلام، أو وسائل للابتزاز السياسي وممارسة سلخ الجماهير عن إسلامها، أو الأمرين معاً؛ رغم المحاولات المستميتة لجعل الهزائم انتصارات، وتقديم المبررات، فقد تكرس الانفصال وبوركت التجزئة، وقامت المعارك بين العرب والمسلمين بعضهم بعضاً.
حل المعادلة الصعبة بين العلم والدين
ولعل من الإنجازات الكبيرة على المستوى الفكري: استطاعة الدعوة الإسلامية حل المعادلة الصعبة التي توهمتها الجماهير المسلمة بين العلم والدين حتى كادت تسقط في فرية أن العلم من لوازم الإلحاد، ذلك أن البعثات التي تمت تحت رقابة الاستعمار، أو ضمن مناخه اختيرت غالباً من المارقين والمترفين، ومن البيوتات المفتونة بالحضارة الغربية المادية إلا من رحم الله، ليعودوا إلى قيادة المجتمع ويبرهنوا عملياً أنهم إنما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الحصول على الشهادات والمراتب العلمية بسبب انفصالهم عن الدين.. فقدمت الدعوة الإسلامية نماذج إسلامية رفيعة على أرقى ما يكون الانتماء والالتزام، وجاءت في الوقت نفسه على أرقى المستويات في التخصص العلمي.
ولسنا الآن بسبيل أن نعرض لحصاد الدعوة الإسلامية خلال نصف قرن من تفويت لأغراض الاستعمار وإفساد لمخططاته، وحسبنا في ذلك الهجوم الشرس ومحاولات التصفية الجسدية التي توقع على المسلمين من أعداء الإسلام بعد أن سقطوا فكرياً وحضارياً ووطنياً، ولم يبق أمامهم إلا اللجوء إلى القوة والعضلات، شأنهم في ذلك شأن أسلافهم في مواجهة النبوة الذي قصَّه علينا الله تعالى في عديد من آياته:
(حَرِّقُوهُ وانصروا آلهتكم ) (الأنبياء:68) ( وقال الذين كفروا لِرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملّتِنا ) (إبراهيم:13).
إن الدعوة الإسلامية استطاعت أن تقدم هذا الرصيد، رغم عمليات المطاردة والمحاصرة وعدم إعطائها الفرصة والحرية لإثبات وجودها والبرهنة على قدرة الإسلام على حل مشكلات الأمة.. وقد أشرنا بأنه لا يعنينا هنا أن نعرض لحصاد الدعوة الإسلامية خلال نصف قرن إنما الذي يعنينا ما يمكن أن نهتدي إليه من عيوب ـ رحم الله امرءاً أهدى إلى عيوبي ـ يأتي التنبه إليها مسدداً للعمل وآخذاً بيده إلى سبيل الرشاد، وتكاد تكون المشكلة المطروحة الآن على العاملين للإسلام، وعلى القيادات الإسلامية بشكل خاص، أو القضية المطلوبة الآن بعد أن آمنت الجماهير بالإسلام وتوجهت صوب مبادئه من جديد، بعد أن آمنت به مبادئ عامة ومثلاً وقيماً ثابتة، وبدأت رحلة العودة وتجديد الانتماء، فهل يعني هذا أن العمل الإسلامي أدى مهمته؟
من مرحلة المبادئ إلى مرحلة البرنامج
إن الخطورة كل الخطورة تكمن في عملية التوقف عند حدود هذه الخطوة، خطوة الاكتفاء بالإيمان بالإسلام مبادئ ومثلاً ثم الاسترخاء وخداع النفس بالأماني والاستسلام لنوم عميق، وعدم القدرة على تجاوز هذه الخطوة إلى مرحلة ترجمة المبادىء إلى برنامج، أو بعبارة أخرى: الانتقال بالدعوة الإسلامية من مرحلة المبادىء إلى مرحلة البرنامج، الانتقال من مرحلة الخطب وزعامة المنابر إلى مرحلة الخطط ودراسة الاحتمالات ووضع الحسابات الدقيقة لكل حركة، أي : وضع الخطط المرحلية على ضوء رؤية شاملة للظروف المحيطة والإمكانات المتاحة، وإعطاء الزمن الكافي لإنضاج كل مرحلة وعدم استعجال الثمرة، ولا يتحقق هذا إلا بالإدراك الكامل لمفهوم الوسع في التكليف القرآني (.. لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها.. ) (البقرة: 286) حيث لا يجوز أن نكلف أنفسنا بما لا يكلفنا الله به، فنقع في احباطات وارتكاسات تعيق نمو العمل وتقوده إلى المهالك وتقتل الأمل في نفوس الجماهير المسلمة.
لا بد من الالتزام بمصلحة وحركة هذه الجماهير التي آمنت بمبادئ الإسلام، والاعتراف بأنها مرحلة الاختبار الصعب، ذلك أن المبادئ أثبتت مصداقيتها تاريخياً، وكان دورنا تجديد ذاكرة المسلمين تجاهها، لكن يبقى اختبارنا الصعب هو ترجمة هذه المبادئ إلى برامج، والآراء إلى مواقف وهو الوجه الآخر للقضية.
وجود الرأي وفقدان الموقف
وفي اعتقادنا أن من المشكلات المهمة التي يعاني منها العمل الإسلامي اليوم: مشكلة وجود الرأي وفقدان الموقف، فالكثير الكثير من دعاة الإسلام اليوم يتمتعون بآراء على غاية الأهمية والسداد، لكنها الآراء التي تفتقد إلى المواقف الضرورية لمسيرة العمل الإسلامي، فهل نوبخ آراءنا بمواقفنا ؟! لذلك أن العجز عن الالتزام بمصلحة الجماهير المسلمة وحسن قيادة حركتها وفق المبادئ الإسلامية يخشى أن يذهب بحصيلتنا كلها ..
إن التوقف عند مرحلة الآراء والمبادئ وتركها معلقة على المنابر، أو حبيسة الكتب دون تنزيلها إلى واقع المسلمين يحمل من الخطورة الكثير إلى درجة قد نساهم معها بإجهاض هذه المبادئ وحرقها على أيدينا إذا عجزنا عن تمثلها، وبذلك لا نختلف عن غيرنا في نظام حياتنا ووسائل كسبنا وطرق إنفاقنا ..
إن العجز عن ترجمة المبادئ والآراء إلى برامج ومواقف، وعدم القدرة على ربط الأسباب بالنتائج، وعدم القدرة أيضاً على دراسة الاحتمالات، وغياب الحسابات الدقيقة والأمينة هو أزمة العمل الإسلامي اليوم أو أزمة القيادات الإسلامية بشكل عام، ذلك أن عدم القدرة على ترجمة المبادئ والآراء إلى برامج ومواقف وربط الأسباب بالنتائج ودراسة الاحتمالات والحسابات الدقيقة يعني من وجه آخر الحكم على هذه المبادئ أنها أقرب في طبيعتها إلى المثالية البعيدة عن متناول البشر، والخيالية الفلسفية التي قد ترضي العقل وتذكي العاطفة لكنها لا ترشد السلوك وتنظم الحياة، وبذلك يدخل علينا أعداء الإسلام من النافذة من جديد بعد أن طردناهم من الباب بحجة أن الإسلام مثالي لا يمكن تطبيقه في مجتمعات اليوم، وأنه كان يصلح لفترة معينة ولجيل بذاته، أما الآن فأين هذا من واقع الأمة الذي يقتضي مبادئ من نوع آخر تمتلك آخر القابلية للتطبيق.. ومن هنا ندرك أهمية تربية الجيل الأول وكيف أن الصحابي كان لا يتعلم الآية ما لم يعمل بالتي سبقتها..
قد يكون صحيحاً إلى حد بعيد أن الهجمة الشرسة واستمرارية المدافعة وتعدد آفاقها فوَّت الكثير من الفرص التي كان بالإمكان الإفادة منها في مجال ترجمة المبادئ إلى برامج، لكن يبقى الإلقاء بالتبعة كلها على غيرنا يعني في جملة ما يعني أننا دون سوية المعركة، ودون سوية التعامل معها، وذلك بعدم القدرة على امتلاك زمام المبادهة فيها واستنفاد الجهد كله بالمواقع الدفاعية والتحرك في إطار الفكر الدفاعي..
ومع اعترافنا بأنه لا بد من الاستمرار في الدفاع عن المواقع الإسلامية المهددة، والاستمرار في تحرير الأفكار الإسلامية المستهدفة لاستمرار الهجوم، يقول تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا .. ) (البقرة:217).
لكن هل المفروض على عالم المسلمين أن تبقى المعركة دائرة على أرضهم، ويستمر الإسلام في معركة الدفاع عن النفس إلى ما لا نهاية، وكلما رددنا تهمة ودحرنا شبهة ألقى إلينا أعداد الإسلام بأخرى لنتوجه صوبها دون إمهال، أم أن (استراتيجية ) المعركة بين الإسلام وخصومه تقضي بنقلها إلى أرض العدو، فيكون خير وسيلة للدفاع الهجوم، ونقل الإسلام من موضع الاتهام إلى موقع التحدي للمبادئ والأفكار التي عجزت عن حل قضية الإنسان؟!
من المواقع الدفاعية إلى المواقف الفاعلة
إن الدفاع عن النفس المسلمة وصيانتها إنما هو في حقيقته وسيلة لتكون قادرة على عطاء معين من نوع آخر.. إلى جانب أهمية التحديد الدقيق لمعركة الدفاع ومساحتها ووسائلها، الأمر الذي يجوز له أن يستغرق جهودنا ويستنفد طاقاتنا، فإن المواقف الدفاعية والاستمرار في مواقع الفكر الدفاعي لا تعني تقدماً ولا بصارة بالأمور، ولا شمولية في الرؤية، وإنما تعني مراوحة في المكان الواحد ولو بذل كل الجهد، وتعني عجزاً في تقدير الأمور ودراسة نتائجها، إنها تعني انفعالاً ولا تعني فعلاً، تعني إثارة ولا تعني ثورة تغييرية للواقع غير الإسلامي، قد تعني شدة بالصُّرعة لكنها لا تعني أبداً ضبط النفس عند الغضب، ومن حسن التصرف واختيار الموقع الفاعل، وعدم استنزاف الطاقة والقدرة على التحكم..
إن الاستمرار في حالة الدفاع يجعل الزمام في يد أعداء الإسلام والمسلمين، ويبقى التحكم بالمعركة في صالحهم زماناً ومكاناً ومضموناً، فيكون الاستنزاف، ويكون الإنهاك، ويتحقق الاستهلاك، وقد يتقن العدو اللعبة فيحسن إثارة المشكلات في الوقت المناسب ويتحكم بمسار المسلمين الفكري والكتابي..
وقد يلجئهم إلى مواقع يضطرون معها إلى بعض الممارسات التي هي محل نظر ابتداء من الناحية الشرعية تحت شعار: الضرورات تبيح المحظورات ؛ وبذلك نقع في أزمة الفكر المنكوس ألا وهو: الاحتكام إلى النتائج والالتزام بها دون القدرة على مناقشة المقدمات التي أدت إليها ، أو نبصر المقدمات الخاطئة بعد أن نسقط في النتائج حيث لا يفيد الندم والبكاء على الأطلال..
فإلى متى نفتقد زمام المبادرة في الطرح، ونستمر في معالجة رد ومواجهة ما يطرح على ساحتنا، ونعجز عن الطرح ؟! وإلى أي مدى يجب أن تبلغ المعركة الدفاعية التي كثيراً ما تكون خطة ذكية تصرفنا عن معالجة قضايانا الأصلية فنبقى نرواح في مكاننا، خاصة عندما ينحصر جهدنا في استرداد المعارك القديمة والدخول فيها بعد أن استنفدت جهدنا ولا تزال، وقد يكون ما قدم إليها فيه الكفاية، كقضية العامية والمرأة وتحديد النسل والحجاب والسفور.. وقد أشبعها أسلافنا بحثاً ودرسـًا ، ورُدَّت على أعقابها ؟!
إن المعركة التي دارت بين طه حسين والرافعي ما تزال مستمرة إلى اليوم، وما يزال كثيرون منا يعانون من عقدة طه حسين !!، والمفروض أن تكون قد انتهت ولم يبق منها إلاّ القيمة التاريخية.. وبذلك نكون قد ساهمنا شئنا أم أبينا، ومن حيث ندري أو لا ندري بصقل خصومنا، وعملقة أعدائنا وتكبيرهم لكثرة ما عاودنا مناقشة أفكارهم وتجديدها، الأمر الذي بناها وصلّبها، وكأننا ما زلنا نحس بالغلبة في داخلنا، وكثيراً ما تواطأ أعداء الإسلام في الخفاء على اصطناع وإثارة قضايا ومشكلات، وطرح مؤلفات انتهى الرأي فيها تاريخياً، وهم لا يزالون يبعثونها من مرقدها ليصرفوا جهد العالمين للإسلام إليها، وتكون فرصة لهم لتوظيف هذا لإنهاك عدوهم الذي يعارضون؛ وكثيراً ما اصطنعت المعارضات السياسية غير الإسلامية قضايا في المعاهد والمدارس والجامعات في العالم الإسلامي لإثارة دعاة الإسلام، ومن ثم توظيف رفضهم وإدانتهم لأغراض سياسية ينهكون بها عدوهم، أو يثيرونهم باتجاه قضية جزئية ليمرروا ما يشاؤون من أمور كبرى تتعلق بأمن البلاد وحياة العباد، وقد تتطور الأمور أكثر فأكثر لتصبح الدماء الإسلامية محلاً لتصفية الحسابات الدولية.. إن الكثير من القضايا غير الإسلامية تصفى اليوم في عالم المسلمين على حساب الدماء المسلمة، فهل نعيد النظر في حساباتنا ودراسة معاركنا وجدواها، ونضع استراتيجية صحيحة لمعركتنا، وننتقل من معركة تحقيق الذات إلى مرحلة تفتيش الذات وتقويم الذات، قال تعالى:
(بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) ( القيامة : 14: ـ 15)