مقومات النُّهوض بالمجتمع الاسلامي
قال الله تعالى تعالى: ”وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” سورة العصر، يقول الإمام مالك: ”لن يصلح آخر هذه الأمّة إلّا ماما أصلح أصلحولها”.
هناك مقومات وأسس لابدّ منها لأيّ مجتمع يريد النّهوض والقيام والرّيادة، وهذه المقومات نلخّصها في الإيمان، العلم، العمل والتعاون، ولن يكتب لأيّ أمّة النّجاح أو الفلاح دون الأخذ بهذه الأسس مجتمعة، وإنّ إهمالها أو إهمال أيّ منها فلن يكتب لها أيّ قيام أو سؤدد..
الإيمان: إنّ الأساس العظيم الّذي يجب أن يكون المنطلق للمُصلحين في الأرض، الّذين يُريدون أن يتولِّوا إصﻼصلاح المجتمعلمجتمع والأخذ بيده، إلىلى شاشاطئ السّلامة وسفينة سفينة النجاة، هو أن يرتكز هذا الإصلاح على على أععظم عامل على الإطلاق ألا وهو الإيمان بالله وحده لا شريك له، فبالإيمان والعقيدة القويةّ تبني الأمم والشعوب والحضارات، والشعب الجزائري لولا إيمانه العميق بربّه وتمسّكه بعقيدته الإسلامية لم يكن له أن يقهر المستعمر الغاشم الّذي مكث ببلادنا مدّة فاقت القرن والثلاثين سنة.. فبالاعتماد على الله والإخلاص في طاعته وعبادته والتوجّه إليه بالدّعاء والاستعانة تمكن من هزم أكبر قوّة عسكرية كانت في ذلك الوقت..
فإنّ المؤمن يشعر بالكرامة والاعتزاز بانتسابه إلى الله الّذي أعطى له هذه الكرامة فيحيا عزيز النّفس رافضًا للذلّ والاستعباد، كما أنّ الإيمان يبعث المؤمن على العمل والإصلاح ومحاربة الفساد، فلا ينبعث إلى الإصلاح إلّا مَن اتّقى الله وعمَّر قلبه بخشيته وتقواه...
العلم: إنّ التخلّف سمة عارضة، وليست عاهة مزمنة، وإنهاؤها وقف على أبناء المجتمع جميعًا إذا أرادوا كسر حلقة التخلّف وتعلّقت همّتهم بمعانقة النّهضة، حينها لن تكون النّهضة بعيدة المنال، وهذا يتطلّب بداية سلوك دروب العلم، فإنّ الأمم المتقدمة نهضت وتسيَّدت العالم بالعلم والبحث العلمي وتشجيع العلماء والباحثين وتوفير كلّ أسباب النّهوض العلمي، أمّا البكاء على الأطلال والاعتماد على الغير في كلّ شؤون الحياة فهذا لن يفيد المجتمع في شيء بل يؤخّره أكثر فأكثر.. فإنّ مجرّد الاكتفاء باستيراد أشكال التطوّر ومظاهر التّحديث، لا تجعل من مجتمع ما متقدمًا..
وإنّ التّعليم في كلّ أمّة هو الأساس الّذي يسهم في تطوير قدرات المجتمع العقلية والفكرية، ويهيّئ الإنسان للنّهوض بأعباء التّنمية المجتمعية للوطن..
العمل: إنّ للعمل أهميةً كبرى بالنّسبة للفرد والمجتمع، فهو غاية إنسانية وواجب اجتماعي في الحياة، وهو في نفس الوقت من القيم الدّينية الّتي تصل إلى مستوى العبادة، وإنّ حياة أيّ مجتمع مرهونة بالعمل ولا تقوم للدول والأوطان قائمة إلّا بالعمل، ولكلّ فرد في المجتمع له دور مهم فى بناء المجتمع والبلد مهما كان دوره بسيطًا فهو فى المجمل العام جزء من منظومة البناء المجتمعي..
ومن الفوائد الملموسة عند الإنسان العامل، هي تحقيق التّوازن النّفسي والذّهني والجسدي، وكما أسلفنا فإنّ الإسلام شجّع وحفّز أبناء المجتمع على القيام بالعمل ورفع من شأن العمل، فعلَى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه، قال الله تعالى: ”مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” النّحل:97. فمن ذلك لا يجوز للمسلم ترك العمل باسم التفرّغ للعبادة أو التوكّل على الله، ولو عمل في أقل الأعمال فهو خير من أن يسأل النّاس، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لأن يأخُذ أحدكم حبله، ثمّ يغدو إلى الجبل فيحتطب، فيبيع فيأكل ويتصدّق، خيرٌ له من أن يسأل النّاس”، ولا يحث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على مجرّد العمل ولكن على إتقانه أيضًا فيقول: ”إنّ الله تعالى يحبّ أحدكم إذا عَمِلَ عملاً أن يُتقنه”.
التّعاون: وللتعاون بين الأفراد أهمية بالغة في الحفاظ على تماسك المجتمع ونشر المحبّة فيه، فالمجتمع الّذي لا يسود فيه التّعاون مجتمع مهدّد بالتفكّك والانهيار.
وممّا ورد من الأحاديث الشّريفة في التّضامن الإسلامي، الّذي هو التّعاون على البرّ والتّقوى، قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”الدّين النّصيحة، قيل: لمَن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم”، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشُدّ بعضه بعضًا وشبَّكَ بين أصابعه” متفق عليه، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”مثل المسلمين في تَوادِّهِم وتراحُمِهم وتعاطفِهم كمَثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
وللتّعاون عدّة فوائد، من أهمّها: القوّة، فإذا تعاون أفراد المجتمع صاروا على قلب رجل واحد وأصبح المجتمع قويًّا مُهابًا. والمحبّة، وذلك لأنّ التّعاون يثمر المحبّة والتّواد بين أفراده فينتشر الأمن والسّلام. وتوثيق العلاقات الاجتماعية، حيث يجعلها قويّة متينة لا تؤثّر فيها الدّسائس والفِتن. وكذلك التقدّم والتطوّر، ولأنّ المجتمع المتعاون متكاتف ومتآزر، يسعَى جميع أفراده إلى الأفضل، فهو بلا شك سيكون مجتمعًا متقدّمًا ومتطوّرًا يشار إليه بالبنان.
منقوول