المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وأحد مبانيه العظام، وهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله كما ورد في الحديث الشريف.
ولما كانت الصلاة تتكرر خمس مرات كل يوم – بل أكثر – ويجتمع لها الناس في المساجد، رأيت أن أذكر أصناف الناس فيها، مما رأيته بنفسي، وسمعته أذناي، حتى يكون الناس بصلاتهم على علم وخبر، ويحذروا ما وقع فيه غيرهم كل الحذر، لاسيما وقد قال سيد الخلق والبشر: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وإن من تأمل أحوال كثير من الناس اليوم، ورأى صلاتهم، رأى العجب العجاب من الأقوال والأفعال المخالفة للسنة، هذا والرب واحد، والدين واحد، والنبي واحد، والقبلة واحدة.
وسبب ذلك أحد أمرين: إما التعصب المذهبي المقيت مع وضوح الدليل، وإما الجهل المردي، وقد أحسن ابن القيم رحمه الله حين قال:
وتعر من ثوبين من يلبسهما
يلقى الردى بمذلة وهوانِ
ثوب من الجهل المركب فوقه
ثوب التعصب بئست الثوبانِ
فدونك أخي القارئ هذه الصفحات، فما كان فيها من حق وصواب فمن الله وحده، وله الحمد والمنة، وما كان فيها من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
أصناف الناس في المحافظة على الصلاة
* من الناس من يجحد وجوب الصلاة، ويرى أنها غير واجبة، فهذا كافر بإجماع أهل العلم، حتى وإن صلى وحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها.. لأن وجوب الصلاة المفروضة مما هو معلوم من الدين بالضرورة.
* ومن الناس من لا يجحد وجوب الصلاة، لكنه لا يصليها كسلاً أو تهاونًا أو لغير ذلك من الأسباب، فهذا في كفره خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يكفر كالأول، لحديث: «بين الرجل، وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»([1]).. وفي لفظ: «بين الكفر والإيمان ترك الصلاة»([2]).
* ومن الناس من لا يترك الصلاة بالكلية، فيصلي أحيانًا، ويترك أحيانًا، وهذا أشبه بالمتلاعب، وهو على خطر عظيم، إذ قد يدركه الموت وهو تارك للصلاة، فيموت على الكفر، عياذًا بالله تعالى..
* ومنهم من لا يصلي إلا في المناسبات، كالجمعة، ورمضان، وأيام الامتحانات، وعند النوازل والبليات. وكأن الله عز وجل لا يُعبد إلا في المناسبات، وعند البليات. فهؤلاء قد خادعوا الله من جهة، وشابهوا أعداء الله من جهة أخرى، فإن النصارى لا يعبدون الله إلا في يوم الأحد، وكذا من شابههم من الطوائف الضالة.
* ومن الناس من لا يصلي – وصلاته لنفسه – لكنه يجاهر بذلك، فتراه واقفًا أمام باب داره، أو أمام المسجد والناس يصلون، وربما كانوا جماعة يتحدثون وهم يسمعون آيات الله تتلى، وقد قال النبي r متوعدًا هذا الصنف من الناس: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون».. اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، في الدين والدنيا والآخرة.
* ومن الناس من لا يعرف الصلاة ولا يقيم لها وزنًا، حتى إذا ما زاره قوم يصلون، أو كانوا معه في مكان ما، قام وصلى معهم مجاملة، وربما صلى بدون وضوء حتى لا يقال إنه لا يصلي، وفعله هذا من النفاق الذي توعد الله أصحابه بقوله: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ{ [النساء: 145].
* ومن الناس من يحافظ على أداء الصلاة بركوعها وسجودها، لكنه يخل بشيء من شروطها أو واجباتها وأركانها، مما يؤدي إلى بطلانها، أو انتقاص أجرها لعدم الطمأنينة فيها، والواجب على المسلم أن يتعلم أركان الصلاة وواجباتها وشروطها حتى لا يخسر شيئًا من صلاته.
* ومن الناس من يحافظ على الصلوات بركوعها وسجودها وكامل شروطها وأركانها وواجباتها، لكنه يصرف شيئًا من أنواع العبادة – من محبة أو رجاء أو خوف أو نذر أو ذبح أو غير ذلك – إلى غير الله تعالى مما يوقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة، فمثل هذا لا صلاة له، لأنه أخل بالأصل العظيم وهو التوحيد الذي لا يقبل معه عمل كما قال تعالى لإمام الموحدين: }لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [الزمر: 65] وقوله تعالى: }وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{
[الأنعام: 88].
* ومن الناس من يحافظ على الصلاة في حال الصحة والعافية، فإذا مرض أو تعب ترك الصلاة بحجة المرض أو التعب، وهذا خطأ بالغ، فالصلاة لا يجوز تركها بحال من الأحوال ما دام عقل الإنسان معه، ولا يُستثنى من ذلك إلا الحائض والنفساء، فإن الصلاة تسقط عنهما لورود النص بذلك.
وعلى المسلم أن يصلي في الوقت حسب قدرته، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.. وفي الحديث: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا..» الحديث، ولسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز – يرحمه الله – رسالة لطيفة في كيفية صلاة المريض يحسن الرجوع إليها.
* ومن الناس من يحافظ على الصلوات في أوقاته، بركوعها وسجودها، وبشروطها وأركانها وواجباتها، فهؤلاء هم الذين مدحهم الله تعالى في كتابه في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{ إلى قوله: }وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [المؤمنون: 1-11]. فبدأ بالصلاة وختم بها لأهميتها وعظم شأنها..
أصناف الناس في أداء الصلاة
* من الناس من يحافظ على صلاة الجماعة في المسجد، ويبادر إلى الصلاة فور سماع الأذان، فلا تراه إلا في الصف الأول خلف الإمام، منشغلاً بقراءة كتاب الله حتى تقام الصلاة، فهؤلاء قد فازوا بالثواب العظيم والأجر الكريم، وقد جاء في الحديث: «من صلى لله أربعين يومًا في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق»([3]).
* ومنهم من يحافظ على صلاة الجماعة، لكنه لا يأتيها إلا متأخرًا، فتفوته تكبيرة الإحرام، وربما فاتته ركعة أو ركعتان، وقد كان السلف رحمهم الله يعظمون هذا الأمر، ويولونه اهتمامًا كبيرًا، حتى قال أحدهم: «إذا رأيت الرجل يتهاون بتكبيرة الإحرام فاغسل يديك منه».
* ومن الناس من يحافظ على صلاة الجماعة إرضاءً لأبيه أو خوفًا منه، حتى إذا ما سافر أبوه أو غاب، ترك الصلاة مع الجماعة، لاسيما صلاة الفجر، فهذا أقرب إلى النفاق منه إلى الإيمان، فإن المؤمن الموحد إنما يصلي لله وحده، لا خوفًا من أحد أو إرضاءً لأحد من الناس.
* ومن الناس من يهجر المساجد ولا يصلي مع الجماعة إلا في القليل النادر إلا الجُمَع، محتجًا بفتوى بعض المنتسبين إلى العلم بعد وجوب صلاة الجماعة، وكأنه لم يسمع بفتوى النبي r للأعمى لما جاءه يطلب الرخصة أن يصلي في بيته، فقال له عليه الصلاة والسلام: «لا أجد لك رخصة». فكيف يترك قول رسول الله r لقول غيره من الناس كائنًا من كان؟! ثم إن صلاة الجماعة لو لم تكن واجبة لكان حريًا بالمؤمن العاقل أن يحافظ عليها لما فيها من المصالح العظيمة ، الدينية والدنيوية ، ومن أهمها التقاء أهل الحي الواحد وتعارضهم وتآلفهم ، وما يترتب على ذلك من المصالح العظيمة.
* ومن الناس من ينقرها نقر الغراب، فلا يتم ركوعها ولا سجودها، ولا سائر أركانها وواجباها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً، فتلك صلاة المنافق كما ورد في الحديث: «.. يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً» [أخرجه مسلم].
* ومنهم من يؤديها بشروطها وأركانها وواجباتها، لكن لا يفقه منها إلا القليل، فهو يؤديها بجسده، لكن قلبه يسبح في بحور الدنيا، فهذا ليس له من صلاته إلا ما عقل منها، فمستقل ومستكثر..
* ومن الناس من يصلي الصلاة على مذهب إمام من الأئمة الأربعة مع علمه بأن الدليل في بعض أحكام الصلاة مخالف لمذهب إمامه الذي يقلده، فيتعصب لهذا المذهب ضاربًا بالدليل عرض الحائط، وهذا قد ارتكب جرمًا عظيمًا حيث رغب عن الحق مع علمه به، فبأي وجه سيلقي الله غدًا؟
علمًا بأن إمامه الذي يقلده لو بعث الساعة، واطلع على الدليل، لرجع عن مذهبه إلى الدليل، وتبرأ من مخالفيه، لكن أكثر الناس لا يعقلون.
وإذا كان هذا المقلد عاميًا، فقد يكون معذورًا، لكن ما عذر العالم وطالب العلم الذي لا تخفي عليه الأدلة؟
أصناف الناس في صلاة الجماعة
* من الناس من إذا وقف في الصف أخذ يتململ يمنة ويسرة، فتارة يقدم رجله اليمنى، وتارة اليسرى، ولو كان شيخًا كبيرًا لربما التمسنا له العذر، لكن ما عذر الشاب النشيط، والرجل الشديد، سوى الكسل واستثقال الصلاة، وقد قال تعالى: }وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ{ [البقرة: 45].
* ومن الناس من إذا أقيمت الصلاة هجم على الصف الأول أو الذي أمامه، ولو كان المكان لا يتسع له، فيضيق على الناس ويؤذيهم، فإن كان يريد الأجر والثواب فليحضر مبكرًا، وليتقدم في الصف الأول خلف الإمام.
* ومنهم من يأتي إلى المسجد مبكرًا، لكنه يجلس في طرف الصف، أو في مؤخرة المسجد، ويدع المكان الفاضل والقرب من الإمام، وهذا قد زهد في أمر عظيم، وحرم نفسه خيرًا كثيرًا.
* ومن الناس من يبالغ في التراص في الصف، حتى يضيق على من بجانبه فلا يتمكن من الخشوع في الصلاة، ومنهم من يتهاون بذلك حتى يدع بينه وبين جاره فرجة للشيطان، وخير الأمور الوسط.
* ومنهم من يحرص على تطبيق السنن في الصلاة، فيقع في أمر محرم وهو إيذاء المسلمين، ومن المعلوم أن اجتناب المحرم مقدم على فعل المستحب، ومثال ذلك أن يجافي بين عضديه في السجود ملصقًا مرفقيه في صدر من بجانبه، أو يتورك في التشهد الأخير مع ضيق المكان، فيلقي بجسمه على من بيساره، ولا يخفى ما في ذلك من الأذى، لا سيما إذا كان هذا الشخص جسيمًا، والذي بجانبه شيخًا كبيرًا أو ضعيفًا.
* ومن الناس من إذا وقف في الصلاة، ووضع يده اليمنى على اليسرى، لم يراع من بجانبه في الصف، فربما أدخل مرفقه في صدر الذي بجانبه، لا سيما مع ضيق المكان في الصف، وكثرة الزحام، والواجب أن يلين المسلم لأخيه، ويحاول بقدر المستطاع أن يكون وضعه ليديه على صدره منسجمًا مع من في الصف.. والطريقة الصحيحة للقبض في الصلاة أن يمسك شماله بيمينه مع مفصل الكف السري (أي يضع كفه اليمنى على مفصل الكف اليسرى)، لا أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، وبهذا يكون المصلون في الصف كالبنيان المرصوص.
* ومن الناس من إذا دخل المسجد والإمام ساجد أو جالس لم يدخل في الصلاة حتى يقوم الإمام للركعة التالية ، وهذا خطأ شائع ، والمشروع أن يبادر بالدخول مع الجماعة على أي حال كان لقول النبي r: «إذا جئتم الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئًا...»([4]) وإن كانت الركعة لا تدرك إلا بالركوع، لكنه يؤجر على ما أدركه مع الجماعة قبل إدراك الركعة.
* ومنهم من إذا دخل المسجد والإمام راكع تنحنح ، أو تكلم بصوت عال ليسمعه الإمام فينتظره،ولا يخفى ما في ذلك من التشويش على المصلين وإزعاجهم، والمشروع أن يمشي بسكينة ووقار حتى يدخل في الصف، فإن أدرك الركوع فالحمد لله، وإلا فليقض ما فاته.
* ومنهم من يدخل مسرعًا، ويكبر وهو هاوٍ للركوع، وتكبيرة الإحرام إنما تكون في حال القيام، كما أن المشروع أن يكبر تكبيرتين؛ الأولى للإحرام وهي ركن، والثانية للركوع وهي مستحبة.
* ومنهم من يكبر ويهوى للركوع، وقد شرع الإمام في الرفع من الركوع فيعدها ركعة، وهذه لا تعد ركعة، إذ لابد من إدراك تسبيحة واحدة على الأقل مع الإمام في الركوع باطمئنان.
* ومنهم من يرفع صوته في الصلاة السرية، فيشوش على من حوله، وقد صليت مرة بجوار شاب كنت أسمع ما يقول، فلم أدر ما أقول بسبب تشويشه ، فينبغي للمصلي أن يقرأ بقراءة خافتة يُسمع بها نفسه فقط دون غيره.
ومن ذلك أن بعضهم إذا قرأ الفاتحة في الجهرية وكان لا يسكت بعدها، يقرأ الفاتحة بصوت عال ليسمع نفسه، فيزعج من حوله، والواجب أن ينصت لقراءة الإمام، أو يقرأ الفاتحة بينه وبين نفسه بحيث لا يسمعه الآخرون.
ومن ذلك أيضًا – وهو أمر مبتدع – الجهر بالنية قبل الشروع في تكبيرة الإحرام – والنية محلها القلب – وقد صليت مرة في الحرم المكي الشريف بجوار رجل، فلما كبر الإمام للصلاة، شرع الرجل يجهر بالنية، إلى أن شارف الإمام على الركوع، فهل بعد هذا الجهل من جهل؟!
* ومن الناس من يأتي إلى المسجد بثياب رثة أو ثياب متسخة، أو ثياب النوم، وقد قال تعالى: }يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { [الأعراف: 31].
ولو أن أحدهم أراد الدخول على كبير من كبراء الدنيا للبس أحسن ما عنده من الثياب، بل لو أراد الذهاب إلى العمل لاختار أحسن ثيابه، وبعض العمال قد يأتي بثياب متسخة ومبللة، وبرائحة كريهة، ويحتج بطبيعة عمله، فنقول له بإمكانك أن تخصص ثوبًا واحدًا نظيفًا تجعله للصلاة، وهذا أمر متيسر ولله الحمد.
* ومن الناس من يأتي إلى المسجد وقد أكل ثومًا أو بصلاً، فيؤذي الناس برائحته، وقد نهى النبي r من أكل ثومًا أو بصلاً أن يأتي إلى المسجد، ففي الحديث: «من أكل ثومًا أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا».
وكذا من يأتي وقد شرب الدخان، فإن له رائحة كريهة لا تقل عن رائحة الثوم والبصل. فالواجب على المسلم أن يحذر من هذه المطوعات، لاسيما قبل الصلوات، لئلا يؤذي الملائكة والمصلين.. أما الدخان فقد أجمع العلماء على مضرته وخطره، فهو حرام في كل وقت.
* ومن الناس من لا يعتني بتسوية الصف في الصلاة، فتراه يقف متقدمًا أو متأخرًا عن المصلين على الرغم من وجود علامات وخطوط واضحة في أكثر المساجد، وقد حذر النبي r من ذلك بقوله: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم...»([5]) فالواجب العناية التامة بتسوية الصفوف وإقامتها، والتحاذي بين المناكب والأقدام.
أصناف النساء في الصلاة
النساء كالرجال في كل ما سبق – إلا ما اختص به الرجال من الأحكام – إلا أن النساء يزدن على الرجال بأمور منها:
* أن منهن من تؤخر الصلاة عن وقتها – وهذا في النساء كثير – لعدم وجوب صلاة الجماعة عليهن. فإن كان التأخير إلى ما قبيل خروج الوقت فلا بأس مع الكراهة، أما إن كان التأخير إلى ما بعد خروج الوقت فلا يجوز، والصلاة باطلة غير مقبولة إلا لعذر شرعي من نوم أو نسيان. والأفضل للمرأة أن تبادر بأداء الصلاة فور سماع الأذان أو بعده بقليل ، وبذلك تأمن من النسيان أو الكسل.
وإن من الصلوات التي يكثر تأخير النساء لها: صلاة العشاء، فإن وقتها الاختياري يمتد إلى منتصف الليل، وقد يظن بعض النساء جهلاً منهن – بل حتى بعض الرجال – أن منتصف الليل يوافق الساعة الثانية عشرة باستمرار، وهذا خطأ فادح، فإن نصف الليل يختلف باختلاف طول الليل وقصره، ففي الشتاء قد يتأخر منتصف الليل إلى الساعة الواحدة تقريبًا، وفي الصيف قد يتقدم إلى الساعة الحادية عشرة، ولمعرفة منتصف الليل نحسب طول الليل كله من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ثم نقسم على اثنين، فيكون الناتج هو منتصف الليل، فلا يجوز تأخير الصلاة بعد هذا الوقت إلا لعذر شرعي صحيح.
* وكثير من النساء من تنقر الصلاة نقر الغراب، لا سيما وأنهن في الغالب يصلين منفردات، وقد سبق أن هذه صلاة المنافق.
* ومنهن من تضع بعض أصباغ الزينة الصناعية على أعضاء الوضوء كالأظافر أو الرأس، ثم تتوضأ وتصلي، فصلاتها باطلة، لأن لهذه الأصباغ جرمًا يمنع وصول الماء إلى عضو الوضوء فيكون الوضوء ناقصًا، أما الحناء فلا جرم لصبغته، إنما هي مجرد لون فقط لا يمنع وصول الماء إلى البشرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *
([1])أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وانظر في هذه المسألة: فتاوى إسلامية 1/365 (جمع المؤلف).
([2])أخرجه الترمذي عن جابر. وأما استدلال بعض المعاصرين على عدم كفر تارك الصلاة بحديث مسلم: «فيُخرج منها – أي النار – قومًا لم يعملوا خيرًا قط» ، فهذا اللفظ من أفراد مسلم ، ولم يروه البخاري في صحيحه، فإن كان محفوظًا، فيفسره الحديث الآخر المتفق عليه، وفيه أن أهل لا إله إلا الله الذين يُخرجهم الله من النار برحمته يُعرفون في النار بأثر السجود، فقد حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، وفي هذا دليل على أنهم كانوا يصلون، وأن الصلاة من مقتضيات التوحيد. ثم إن إخراج الصلاة من قوله (لم يعملوا خيرًا قط) يقتضي أيضًا إخراج التوحيد فإنه أفضل الأعمال وهو عمل القلب، ولا يقول بهذا أحد من أهل السنة لقوله تعالى: }إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ{ [المائدة: 72] فيكون هذا الحديث – إن كان محفوظًا عامًا مخصوصًا بأحاديث كفر تارك التوحيد ومقتضياته كالصلاة وغيرها، والله تعالى أعلم.
([3])أخرجه الترمذي عن أنس.
([4])أخرجه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة.
([5])أخرجه أحمد وأبو داود عن البراء.