منتديات الجوكر فيبي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نظرات في مسيرة العمل الإسلامي » هوامش حول تطبيق الشريعة الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Ziad
صاحب الموقع
صاحب الموقع
Ziad


الجنس : ذكر
الابراج : العقرب
عدد المساهمات : 3267
نقآط التميز| : 9661
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 19/05/2014
العمر : 43

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي » هوامش حول تطبيق الشريعة الإسلامية	 Empty
مُساهمةموضوع: نظرات في مسيرة العمل الإسلامي » هوامش حول تطبيق الشريعة الإسلامية    نظرات في مسيرة العمل الإسلامي » هوامش حول تطبيق الشريعة الإسلامية	 I_icon_minitimeالخميس يوليو 03, 2014 9:53 pm

(والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نُضيع أجر المصلحين )(الأعراف:70).

العدالة والمساواة من أهم الخصائص والمرتكزات التي تميز بها نظام الحكم في الإسلام، وهما الأمر الذي يمثل إلى حد بعيد روح الحضارة الإسلامية الذي ضمن لها الاستمرارية والتوصل الحضاري رغم عوامل الإنهاك ومحاولات الإنهاء، وهو سر البقاء والخلود الذي افتقدته الحضارات الأخرى جميعاً، وخضعت لمقياس النمو والارتقاء ومن ثم السقوط والفناء، ولم ينطبق هذا المقياس على الحضارة الإسلامية حيث لم يعدم أي عصر من عصور التاريخ الكثير من النماذج والصور العملية على المستوى الفردي والجماعي التي تشكل النوافذ الحقيقية الأمنية، والتي يمكن أن يطل منها كل من يريد إلى الحق الذي يتمثل في العدالة والمساواة التي جاء بها الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله ) .

إنها الطائفة التي تمثل هذا التواصل الحضاري الذي أشرنا إليه، والروح الإسلامية المستمرة التي تنتقل من جيل إلى جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. إنه الوجود والحضور الإسلامي القائم الدائم الذي قد تختلف مساحته من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، لكنها لا تختفي على كل حال.. وعملية التواصل الحضاري في الإسلام، تلك الميزة الفريدة، لا يتسع المجال للوقوف عندها أكثر الآن، ولا بد من العودة إليها ـإن شاء الله ـ فهي سر الخلود للرسالة الخاتمة ..

حق السيادة والألوهية

إن قضية تحقق العدالة والمساواة على مستوى السلوك في الحياة يأتي ثمرة لقناعة عقيدية على مستوى التصور بأن السيادة لله، وأن التشريع بيده، وأن القيم التي يتحاكم إليها الناس وتحكم سلوكهم هي من وضع الخالق العليم الحكيم، والتسليم بأن خالق الإنسان هو أعلم بالمنهج والقيم التي تحقق له السعادة، وتضمن له العدالة والمساواة، قال تعالى: ( ألاَ يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) (الملك :14).

ذلك أن معظم الشر والشقوة في الحياة، وفقدان العدالة والمساواة كامن في نزوع الإنسان إلى التألة والسيادة، وفي تسلط الإنسان على الإنسان، وأن هذا التسلط أخذ على مر التاريخ صوراً شتى وممارسات متعددة، وكانت حقيقته واحدة، فتارة كان يأخذ صورة التمييز العنصري أو اللوني، أو القومي، أو الطائفي، أو الحزبي، أو العشائري القبلي، أو الطبقي.. وأخرى قد يلبس أثواباً دينية ويمارس إرهاباً فكرياً باسم الدين ورجاله، والتسلط هو التسلط .. وبالتالي فلا يمكن إيقاف هذا التسلط وتحقيق العدالة والمساواة إلا بأن تكون السيادة لله والتشريع بيده، وبذلك فقط يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، إذ لا يمكن أن يتصور عقلاَ بأن يعطي الإنسان المخلوق نفسه حق السيادة والألوهية، فيتصرف بالآخرين من أمثاله وفق رغائبه ورؤاه، ويشرع لهم قيمهم التي تنظم سلوكهم وتحكم تصرفاتهم وتتحكم بمصائرهم بعلمه المحدود، وعمره المحدود، ووقوعه تحت تأثيرات كثيرة ومتعددة، فيأتي تشريعه قاصراً من جانب ومحققاً لمصلحة طبقته وفئته وحزبه أو طائفته مستغلاً للآخرين ومستبداً بهم من جانب آخر.

لذلك كان الاعتقاد بأن السيادة لله، والتشريع بيده، والقيم من وضعه من أولى الحقائق والبدهيات في التصور الإسلامي التي لا يمكن أن تتحقق العدالة والمساواة بدونها أيضاً.. ومن هنا نستطيع أن نقول:

إنه لا يكتمل إيمان المؤمن ما لم يعتقد ذلك، ويسعى جهده لإبلاغه للناس وإقناعهم به واستفراغ الوسع في العمل على تطبيقه في حياة الناس، لأن تحكيم الشريعة والاحتكام إليها ثمرة طبيعية، وقضية لازمة لعملية الإيمان الأولى كما أسلفنا؛ ذلك أن ادعاء الإيمان والنكوص عن الالتزام بالشريعة والانضباط بمقياسها يبقى دعوى بلا دليل، ومن يخالف فعله قوله كان كالذي يوبخ نفسه، وكثيرون في عالمنا الإسلامي من أولئك الذين تسموا بأسماء المسلمين ، ممن أصبحت حرفتهم اللعب بالمبادىء والتلاعب عليها، وإماتة المطالبات بتطبيق الشريعة الإسلامية في أدراج اللجان، وتغييبها عن المواقف الجادة؛ والعبث بعواطف المسلمين من تسويف المبطلين والاعتذار بالغيرة على الأمة وذلك بتقديم القضايا الهامة والخطيرة في أولويات البحث والمناقشة، وكأن البحث في تطبيق الشريعة ليس من القضايا الهامة، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) ( النساء: 65).

ولا نجد أنفسنا بحاجة إلى الوقوف عند مدلولات الآية لأنها من الآيات المحكمة التي لا لبس فيها ولا تشابه، ولا مجال لتأويل أو تمحل ؛ والذي يزعم أنه مؤمن بالله ثم يتحاكم ـ فيما يستطيع ـ إلى غير شرعه فقد وقع في الضلالة والخزي، قال تعالى: ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا ً) ( النساء:60).

وقد يكون من الأمور الضرورية هنا إلقاء بعض الأضواء، وتحديد أبعاد خطاب التكليف بدقة، وعلاقة ذلك بالوسع والطاقة، ونصيب كل فرد من أفراد المجتمع من خلال موقعه من هذا الخطاب، ذلك أن الفهم المعوج أو الإخلاص الذي يفتقر إلى الإدراك قد يؤدي في بعض الأحيان إلى استجابات مغلوطة تحمل بعض المساوئ للقضية الإسلامية نفسها، حيث يكلف الإنسان نفسه بما لم يكلفه الله به، و(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.. ).. فالخطاب كما هو معلوم، لكل مسلم حاكماً أو محكوماً، فرداً أو جماعة، لكن نصيب كل فرد ومسؤوليته في الاستجابة، ومساحة تلك الاستجابة، تختلف من إنسان لآخر، ومن موقع لآخر.

أيضاً، فالإيمان بسيادة الله وأن ثمرة تحكيم شريعته بين الناس دين يتساوى فيه الجميع، لكن القدرة على إبراز ذلك وإنفاذه تختلف من مسلم إلى آخر بحسب موقعه وإمكاناته، كما أسلفنا، ومن هنا نقول: إن القيام على تطبيق شريعة الله وتنفيذ حدودها لا بد له من سلطان إسلامي، وإن تطبيق بعض الأحكام من قبل بعض الأفراد على أنفسهم أو على الآخرين فيما يخص السلطان المسلم، من إنفاذ العقوبات وما إلى ذلك، إنما يمكن أن يصنف في إطار الفهم غير السليم وغير السوي للاستجابة الإسلامية للأحكام الشرعية.. ونعتقد هنا أن نصيب الفرد من خطاب التكليف في أن يقيم من نفسه حاكماً يمارس ما ليس له شرعاً، وإنما العمل على وجود السلطة المسلمة التي تلتزم ذلك وتقوم به

معنى تطبيق الشريعة

ولقد كان طبيعياً جداً أن تتزامن المطالبة بتطبيق شريعة الله في عالم المسلمين بكل جوانبها، السياسية والاجتماعية والثقافية والقضائية والأخلاقية، مع حركة المد الإسلامي بعد هذه السنوات الطويلة من التجارب المريرة، والغربة الموحشة، والرحلة الشاقة من القهر والظلم والاستعمار والتسلط، وبعد أن بددت طاقات المسلمين وأهدرت كرامتهم، ومزقت أشخاصهم، وأكلت مواردهم، وسقطوا فريسة لأعدائهم ، وبعد أن حكم على إسلامهم ـ الذي كان سبب حضاراتهم ووجودهم التاريخي عملياً ـ بعدم الصلاحية، وطرح جانباً وأُقصي عن مجالات الحياة وتنظيمها حتى بدأت تسوغ ذلك فلسفات، وفرضت عليهم شرائع وقوانين لا تمت إليهم بنسب، والذي ضمن لها البقاء والاستمرار إنما هو حراب الاستعمار، والأيدي التي انتقلت إليها هذه الحراب في عصر ما بعد الاستعمار..

والأمر الذي نحب أن يكون واضحاً ابتداءً وخاصة لأولئك الذين لا يرون من حكم الإسلام إلا الجانب العقابي، ولا يفهمون من تطبيق الشريعة إلا قطع يد السارق ورجم الزاني وقتل القاتل، وينظرون إلى ذلك من خلال سلوكهم وممارساتهم.. ومن خلال المجتمعات القائمة بكل ما فيها من سرقة أموال وانتهاك أعراض واستباحة دماء، فيخرجون بنتيجة أن المجتمع الإسلامي المنشود تملؤه مجموعة من المشوهين والمطاردين بسوط الإرهاب الديني.. نريد أن نوضح لهؤلاء أن تطبيق الشريعة أو المطالبة بتطبيقها لا يعني أبداً إقامة الحدود فقط، ذلك أن الحدود لم تُشرع لإقامة المجتمع المسلم، وأن الاقتصار عليها لا يقيم المجتمع الإسلامي، ولا يعني قيام المجتمع الإسلامي، كما يتراءى لبعض البسطاء من المسلمين حيث يخادعون بذلك، وإنما شرعت لحماية المجتمع الإسلامي ووقايته؛ ذلك أن المطالبة بتطبيق الشريعة تعني أول ما تعني: التربية الإسلامية للفرد، والشورى في الحكم، والطاعة في غير معصية للحاكم، ورفض الاستبداد السياسي مهما كان، والعدل والمساواة في القضاء، وإباحة التملك بالوسائل المشروعة، وتحريم الربا والميسر والاحتكار، والتربية العسكرية الجهادية وسريان روح الجهاد والاستشهاد والاستعداد قدر الطاقة في الدفاع عن الأمة وحماية الفضيلة من أن يعبث بها أو يعتدى عليها..

أما الفهم المبتور من بعض البسطاء، أو تصوير المجتمع الإسلامي بأنه مجتمع السيوف المشرعة والسكاكين القاطعة، مجتمع الاقتصار على إيقاع العقوبات، ومن ثم لا يحكم الإسلام بعد ذلك أمور الحياة ولا ينظمها، فهذه قضية على غاية من الخطورة والإساءة للإسلام نفسه.. ذلك أن اليد التي تحارب الإسلام فكرياً في مكان قد تكون هي اليد نفسها التي تحاول تطبيقه بشكل مشوّه وفهم معوج في مكان آخر لتقتل أي أمل في التطلع إلى حكم الإسلام بعد رؤية هذه النماذج المشوهة من تطبيقات الشريعة.

بين السلطان والقرآن

ولا يخفى هنا أنه قد يكون من وسائل أعداء الإسلام ـ في حربه ـ رفع شعارات إسلامية وإبراز صور إسلامية غالية ومتطرفة، فاقدة للمقومات والمرتكزات الصحيحة، ثم ممارسة إجهاضها من الداخل للبرهنة على أن الإسلام أصبح أمراً ذا قيمة تاريخية عاجزاً عن الحياة في المجتمع المعاصر، وهذا أمر وارد وله أكثر من دليل في أكثر من موقع على خريطة العالم الإسلامي، غير أن الحقيقة أصبحت أمراً آخر، ونحن على اطمئنان أن الجماهير المسلمة في كل مكان قد تجاوزت هذه المرحلة، وأعطت ثقتها الكاملة للإسلام، وولاءها التام لشرعة بعد هذه الرحلة الشاقة من الممارسات غير الإسلامية التي خدعتها ولم تحمل لها إلا الهزائم والفرقة والتمزق والوهن وسيطرة الأعداء، وهي قادرة دائماً على التفريق بين الصور المشوهة للإسلام وبين صحة وصدق العقيدة والشريعة، وأن الفشل إنما هو في الممارسة والتطبيق وأن الثقة في المنهج باقية لا تهتز، وتكون العلة في التطبيق.

فقد ينهزم السلطان لسبب أو لآخر، وقد يتنكر السلطان للإسلام ، وقد ينفصل السلطان عن القرآن لسبب أو لآخر أيضاً، لكن على كل حال يبقى القرآن وتبقى الثقة في القرآن المعصوم القادر على بناء أمة من خلال سطوره ومبادئه في كل زمان ومكان، قال تعالى:

(والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضع أجر المصلحين ) ( الأعراف: 170)

روى أبو نعيم في دلائل النبوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن كتاب الله والسلطان سيختلفان فلا تفارقوا الكتاب.. ) وقضية أخرى، أو وسيلة أخرى من وسائل أعداء الإسلام في محاربته، وهي التشكيك في كل دعوة أو مطالبة، والتخويف من أي صورة لتطبيق شريعة الله، وتفسير المطالبة بتطبيق الشريعة أو الإقدام على بعض التشريعات التي من شأنها تطبيق الشريعة بأنها نوع من الابتزاز السياسي والنشاط الانتخابي أو اللجوء إلى التأييد الشعبي لبعض الأنظمة المتداعية بعد أن تصل إلى مرحلة ما قبل السقوط، ونحن لا نريد مناقشة صدق هذه المقولة أو دفع الاستدلال لها هنا، ولكن الذي نريد قوله: إنه لو كان ذلك حقيقة ـ كما يزعمون ـ فإن لهذه الحقيقة وجهاً آخر، مهما أغفلوه أو حاولوا تغييبه، وهو أن الإسلام هو المحرك الوحيد في حياة المسلمين وأن الجماهير المسلمة سرعان ما تتعاطف مع من يرفع شعار الإسلام، لأنه يمثل وجودها وإرادتها، وكيانها وأملها، ولا ترضى بغير حكم الله بديلاً، ولا تؤيد غيره، ولا أدل على ذلك في عالمنا الإسلامي من المبادرات العفوية التي ما نزال نلحظها عندما يرفع شعار إسلامي، أو يشرع قانون إسلامي، وما نلحظ بالمقابل من حراسات وحراب سلطات الأمن وتنوعها في فرض وحماية القوانين الوضعية، غير الإسلامية، لدرجة أصبح معها أعداء هذه الأمة يقولون صراحة: إن العالم العربي لا تنفع معه إلا سياسة العصا الغليظة، ويستدلون لذلك بالكثير من القوانين والأنظمة التي تحكم عالم المسلمين ولا تعيش إلا في ظل الحراب..

لقد كان الأولى بالذين يخافون ويخوفون من تطبيق الشريعةـ تحت عنوان الغيرة على الإسلام، أو مصالح الناس أو حماية الأقليات التي ما طبقت الشريعة إلا وضمنت لهم العدل والمساواة ـ كان الأحرى بهم أن ينكروا ويستنكروا الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي، والأنظمة الجبرية والأحكام الاستثنائية وقوانين الطوارىء التي تطبق في كثير من بلدان العالم الإسلامي حيث تلغى إنسانية الإنسان وتطارد الحرية وتصادر باسم مواجهة المحتل واسترداد الأرض، الأمر الذي أضاع الحرية والأرض معاً، وكأن المفروض بالذين يدافعون العدو، ويستردون الأرض أن يكونوا طبقة من الأرقاء والمشوهين إنسانياً.. ونحن على يقين بأن كثيرين من المتنفذين في عالمنا الإسلامي يعرفون إرادة الجماهير المسلمة، يعرفون هذه الحقيقة ثم ينكرونها، لكنهم يحاولون ابتزاز هذه الجماهير في المواسم والمناسبات..

فقه التعامل

لذلك فقد يكون المطلوب، أكثر من أي وقت مضى، من دعاة الإسلام والعاملين في الحقل الإسلامي ـ إلى جانب الحيطة والحذر واليقظة الدائمة ، للحيلولة دون ممارسة عمليات الاحتواء عليهم وخوض المعارك بدمائهم، وتصفية الحسابات بين الخصوم بسواعدهم ـ أن يبرهنوا للناس أنهم دعاة أفكار ومبادئ، وحملة مقاييس منضبطة، يعرفون ما يأخذون وما يدعون، وليسوا إقطاعات بشرية لأشخاص كائنين من كانوا حتى ولو خرجوا من الصف الإسلامي نفسه، وأن المطالبة بتطبيق الشريعة ليست حكراً على أحد أو عنواناً لجماعة أو طائفة أو حزب، وإنما هي مطلب جماهيري من ورائه جميع المسلمين للتخلص من المناهج والقوانين غير الإسلامية التي كانت أداة تمزيق فرضت على العالم الإسلامي بقوة المستعمر وحراب رجاله، فأوقعت العالم الإسلامي بعد أن فرقته بوهدة التخلف، ذلك أن تطبيق القوانين والمناهج غير الإسلامية في بلاد المسلمين يورث مزيداً من التخلف، ويقتل الإبداع ويصيب المسلم بمركب النقص، ويوقع في عقدة التفوق للأجنبي، ويورث مزيداً من العطالة، ويشعر المسلم بالإثم الدائم من تعطيل شريعة الله، ولا يجد من نفسه أي احترام لقانون لا يمت إليها بصلة..

نقول قد يكون المطلوب من العاملين للإسلام، أكثر من أي وقت مضى ، التفريق بين الأفكار وبين الأشخاص، أو بعبارة أدق: الانتقال من مرحلة الأشخاص إلى مرحلة الأفكار عملياً، نعرف الحق فنلتقي عليه ونستمسك به، وندور معه حيث يدور، ونلتقي مع الأشخاص عليه ونفترق عليه، ونؤيد كل عمل وتشريع بمقياس الإسلام، ونرفض ما نرفض بمقياس الإسلام، وبذلك نبرهن على أننا أصحاب مبادىء ولسنا رجال مصالح.

وقد يكون المطلوب من العاملين للإسلام الآن أيضاً امتلاك القدرة على فقه التعامل مع المجتمعات والانفتاح أكثر وفتح منافذ جديدة للدعوة الإسلامية وامتلاك قدر أكبر من المرونة مع الإبصار الكامل والدقيق والأمين للأهداف والتقدير للإمكانات، والخروج من العزلة التي كادت تحيط بهم لتجعل منهم جسماً غريباً منفصلاً عن جسم الأمة، وتجعل لهم أهدافـًا منفصلة أيضاً عن أهداف الأمة، الأمر الذي يسهل على أعداء الإسلام ضربهم، ومن ثم القضاء عليهم تحت شتى العناوين والشعارات.

إن الوقوف عند حدود الرفض والإدانة لواقع الأمة.. والاكتفاء بالخطب الطنانة الرنانة لم ولن يغير شيئاً من هذا الواقع، وإنما ينقلب إلى حالة سلبية لا يحسن صاحبها غيرها، وقد يكون إلى حد بعيد ستاراً لإحساس بالعجز عن المدافعة في معترك الحياة وحماية لشخصية هشة عاجزة عن المواجهة وحسن التدبير والتصرف.

إن فقه التعامل مع المجتمعات الذي نرمى إليه لا يعني أبداً التعاون معها على ما هي فيه من قيم وتشريعات بعيدة عن الإسلام، كما لا يعني أبداً أن يكون دعاة الإسلام دماً جديداً في قوة الباطل، أو أن يُوظف الإسلاميون لغير الأهداف الإسلامية وإنما يعني النزول إلى الساحة وفهم واقع الناس حتى يجيء الأخذ بيدهم ثمرة لهذا الفهم ذلك أن الناس هم محل دعوة الله، وأنهم خليقون بالشفقة والإنقاذ.

إن استعلاء الإيمان الذي أراده لنا الإسلام بقوله تعالى( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) (آل عمران:139) لا يخرج عن كونه ضرباً من الاعتزاز بهذا الدين، وحصانة نفسية بين المسلم وبين الهزيمة والذوبان في المجتمع غير الإسلامي رغم قوته وانتصاره الظاهري، وفقدان عملية التوازن الاجتماعي حيث لا يرى المسلم إلا أحد طريقين:

إما الذهاب إلى المجتمع والذوبان فيه وعدم العودة إلى الإسلام وانطفاء الفاعلية، وإما عمليات الرفض والإدانة والجلد للمجتمع.. الأمر الذي يحول بين المسلم ووظيفته في عملية البلاغ المبين.

إن استعلاء الإيمان هو حصانة ضمن المعركة الاجتماعية لا يعني بحال من الأحوال الكبر والاستكبار والترفع عن الناس والهروب من الساحة، وإنما يعني التواضع ولين الجانب والمرونة والابتعاد عن الفظاظة والغلو الذي يعين الشيطان على إبعاد الناس عن الإسلام ويؤدي إلى المساهمة السلبية في التنكر لهذا الدين وأتباعه.

المطلوب: فقه التعامل مع المجتمع لإنقاذه، وليس التعاون معه على الباطل، أو النكوص عن الدعوة والهروب من الساحة، والحكم على الناس غيابياً.

لقد آن الأوان لنعرف كيف نتعامل مع الصورة القائمة في حياة المسلمين، إننا مع كل من يلتزم بهذه المبادئ كائناً من كان، ولسنا مع من يتنكر لها أو يتحايل عليها كائناً من كان، ولو كان أقرب الناس إلينا، وإن كل إنسان يخطئ ويصيب إلا المعصوم؛ وإننا سنؤيد كل خطوة صوب الإسلام مع الوعي الكامل لدوافعها ووسائلها، ونرفض كل ما لا يمت للإسلام بصلة بمختلف الوسائل المتاحة..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://jokervb.0wn0.com
 
نظرات في مسيرة العمل الإسلامي » هوامش حول تطبيق الشريعة الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نظرات في مسيرة العمل الإسلامي » حتى نكون على مستوى المسؤولية
» ”كومندوس” أمريكي يعتقل قائد أنصار الشريعة في بنغازي
»  عن : القسم الإسلامي العام !!
» "سنرافع لصالح الجزائريين في حال تطبيق قانون الضرائب على الأجانب بتونس"
» قبل أن تضع موضوعا في المنتدى الإسلامي تأكد منه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الجوكر فيبي :: الاقسام الاسلامية :: منتدى المواضيع الإسلامية العامة-
انتقل الى: